IMLebanon

عندما يتحوّل «الشيطان الأكبر» إلى ملاك

فجأة ينقطع البث ويعلو التصفيق من داخل أحد مقاهي الضاحية الجنوبية بعد إعلان نتائج المفاوضات حول برنامج ايران النووي، بين الأخيرة ومجموعة الدول الست بعد تسعة ايام من بدئها داخل قاعة «بلي تكنيك» في مدينة لوزان السويسرية والتي تسمح لايران بمتابعة عمليات البحث والتطوير للطرود المركزية المتقدمة من دون أن تغلق أي من مفاعلاتها النووية، بالإضافة إلى إتفاق حول آلية رفع العقوبات الاقتصادية والمالية التي كانت مفروضة عليها.

«صيحات» مجّدت الرئيس الاميركي باراك أوباما وسياسته المنفتحة على حلف «الممانعة». آراء وتحليلات متعدّدة تجاوزت أزمات المنطقة وركّزت على «الدور الذي تلعبه ايران لمصلحة الشيعة». جمهور «حزب الله» انفرجت اساريره فتناسى الصراع مع اسرائيل «بدنا نفرجي الكل مَن هي ايران ومَن هو حزب الله». مشهد تناسى فيه خصوم الامس عداوتهم وتحوّلوا الى اكثر من حلفاء تجمعهم «المصالح الواحدة» والهدف الواحد هو القضاء على «العدو» الواحد.

وصفوه بالسياسي «المُحنّك» والقادر الوحيد على «تليين» العقوبات «الحازمة». وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف يقف إلى جانب منسقة السياسة الخارجية في الإتحاد الأوروبي فيديريكا موغريني بحضور وزراء خارجية الدول الخمس ينال القسط الاكبر من التصفيق والتهليل. تعدّت التحليلات وظيفته السياسية فألبسوه عباءة «الخامنئي». «هو زوج ابنة شقيقه»، «لا، هو شقيق زوجته». المهم «أننا» أصبحنا دولة نووية و«بدنا نفرجي الدول العربية».

مشهد غابت عنه صورة اسرائيل بشكل كامل، وغاب شعار «الشيطان الاكبر» أحد أهم شعارات ثورة «الخميني». استحضار الحقد المذهبي والطائفي كان أشبه بطبق من «الحلوى» جرى توزيعه على الحاضرين، حتّى الاموال الايرانية التي سيتم الافراج عنها قريباً بعد رفع العقوبات وزّعها المحتفلون على حلف «الممانعة»، فكان النصيب الاكبر لصالح الحرب في سوريا ودعم «الحوثيين» في اليمن، ونسي هؤلاء أن عدواً اسمه إسرائيل يتربّص عند الحدود وأن عداء عقائدياً دينياً يحضّهم على قتاله والاستعداد الدائم له.

لم يجرؤ أي من الحاضرين بالأمس على إستحضار الدعم الإيراني لميليشيات عراقية تقاتل إلى جانب «الراعي» الاميركي للمفاوضات النووية فئة أخرى من الشعب العراقي لمجرّد إنتمائها إلى غير مذهب أو معارضتها السياسة الحالية في بلدها، ولم يهتم هؤلاء بالبراميل المُتفجّرة التي تتساقط على الشعب السوري يوميّاً وتقتل منه الآلاف. كانت وجوههم وحواسهم مجتمعة مُصوّبة نحو الشاشة بانتظار خبر قد يظن الناظر اليهم أنه سيُزيح عنهم مآسي الحياة وبؤسها أو أنه سيُغيّر مجرى حياتهم إلى الأحسن. نظر اليهم رجل طاعن في السن، ثم ردّد بضع كلمات مصحوبة بهزّة رأس وكأنها تعبير منه عن حالة هو غير راض عنها.

عينا مذيع قناة «حزب الله» اللتان فاحت منهما معالم «النووي» وهو يُذيع خبر الإتفاق الذي أُبرم، كانتا كفيلتين برسم الملامح ذاتها على وجوه هؤلاء الذين تحلّقوا حول شاشة عملاقة داخل المقهى. الرجل تحوّل هو التالي إلى «مقاوم» على الشاشة بعدما كان أُصيب في رجله خلال إحدى الحروب مع إسرائيل. جمهور يُحلّل في السياسة بحسب ما تشتهي أو تتطلّب مرحلة ما بعد «الإتفاق النووي»، وتُحلّل وتُحرّم بين ما تُعتبر مقاتلته حلالا وبين من تُعتبر حراماً. هنا بين جمهور «الممانعة» ومن مقهى إلى آخر تحوّل «الشيطان الاكبر» إلى ملاك فعلي وتحوّلت معه «العقائد» إلى مجرّد وجهة نظر يمكن أن تتبدل رهن الظروف».