لم يكن ينقص رئيس المكتب السياسي لحركة «حماس» إسماعيل هنيّة سوى الطلب من أهالي مخيم اليرموك الاعتذار من النظام السوري بحجة انّهم كانوا هم السبب في تدمير مخيّمهم.
يقع مخيّم اليرموك قرب دمشق وهو قام في العام 1957 على خلاف المخيمات الأخرى في سوريا ولبنان التي قامت مباشرة بعد نكبة 1948. مع الوقت، صار اليرموك اكبر تجمع للفلسطينيين في سوريا. ذهب فلسطينيو المخيّم الذي دمّر عن بكرة ابيه وعددهم عشرات الآلاف ضحية الحرب التي يشنّها النظام السوري على مواطنيه. من سوء طالع اهل المخيّم انّ سكانه ليسوا كلهم فلسطينيين. مع مرور السنين وانتشار الفقر في الجمهورية العربية السورية، جاء مواطنون فقراء واقاموا في المخيّم وجواره. كان طبيعيا ان ينضمّ سوريون يبحثون عن بعض من كرامة الى الثورة على النظام التي انطلقت في آذار – مارس من العام 2011. ما لم يكن طبيعيا ان يدخل «داعش» المخيّم وينتشر فيه.
هل يدري السيد هنيّة الذي يقيم في غزّة ولا يعرف شيئا عمّا يدور في العالم ان «داعش» هو من ارتكابات النظام السوري وان دخوله مخيّم اليرموك يندرج في سياق سياسة اتبعها النظام منذ قيامه في العام 1970 وحتّى قبل ذلك، عندما كان حافظ الأسد لا يزال وزيرا للدفاع؟ تقوم هذه السياسة على المتاجرة بالفلسطينيين، خصوصا بابناء المخيمات فضلا عن استخدامهم في كلْ ما من شأنه استمرار حال اللاحرب واللاسلم في المنطقة. هذه الحال هي افضل خدمة يستطيع النظام السوري تقديمها الى إسرائيل، بل هي مبرّر وجوده.
يبدو ان رئيس المكتب السياسي لـ»حماس» من نوع الذين لا يستحون. لو لم يكن الامر كذلك، ما هو تفسير قوله عن ان ما نسب اليه من كلام عن دعم الثورة السورية «غير صحيح»، مضيفا «ان النظام السوري وقف الى جانب حماس في محطات مهمّة». لم يحدّد هنيّة ما هي هذه المحطات المهمّة التي وقف فيها النظام السوري الى جانب «حماس» باستثناء انّه شجع الحركة على تنفيذ عمليات انتحارية كي لا تقوم لعملية السلام قيامة في يوم من الايّام وكي يتمكن ارييل شارون ثم بنيامين نتانياهو من القول ان «لا شريك فلسطينيا يمكن التفاوض معه».
لدى «حماس»، كما لدى أي تنظيم ينتمي الى الاخوان المسلمين، شبق ليس بعده شبق الى السلطة. لذلك، لم يجد رئيس المكتب السياسي للحركة عيبا في الجمع بين التناقضات واللعب عليها متجاهلا ان قطاع غزّة في ازمة حقيقية لا تسمح بممارسة لعبة الضحك على الناس. على سبيل المثال وليس الحصر، قال هنية انّه «في الوقت الذي تتجه حماس الى علاقات قويّة مع مصر، تحافظ على علاقات قوية مع قطر وايران». رأى ان «ايران دولة محورية مهمة في المنطقة وعلاقة حماس معها تكتسب بعدا استراتيجيا» مضيفا ان ايران «قدمت الكثير لمصلحة الشعب الفلسطيني ومقاومته الباسلة».
ذهب رئيس المكتب السياسي لـ»حماس» الى ابعد من ذلك اذا اكد ان الحركة «تتقاطع مع طهران في كلّ ما يتعلّق بالشأن الفلسطيني في الرؤية والوجهة» وان «العلاقة مع ايران اليوم في مرحلة مميّزة ومتقدّمة».
عندما يتحدّث إسماعيل هنيّة بهذه الطريقة عن النظام السوري وايران، لا يعود مستغربا ما حلّ بمخيّم اليرموك والفلسطينيين المقيمين فيه الذين صاروا مشرّدين مرّة أخرى. من لا يهمّه ما يحل بالفلسطينيين المقيمين في قطاع غزّة نفسه، لن يرفّ له جفن عندما يدمّر النظام السوري مخيّما بكامله على القاطنين فيه بحجة انّه يحارب «داعش» الذي هو من صنع هذا النظام نفسه.
هناك ممارسات لا مسؤولة تنمّ عن رغبة واضحة في اعتبار الشعب الفلسطيني مجرّد سلعة. امس كان على «حماس» ان تختار بين قطر والنظام السوري. اختارت قطر. اليوم لم تعد في حاجة الى اي خيار في هذا الشأن بعدما بدا ان قطر لم تعد معادية للنظام السوري. المهمّ بالنسبة الى «حماس» الحصول على مساعدات ودعم ولا شيء آخر غير ذلك. كلّ الامور تهون امام الحصول على مساعدات توظّف في إبقاء الامارة الاسلامية التي انشأتها «حماس» في غزّة حيّة ترزق. كلّ شيء يهون من اجل البقاء في السلطة، بما في ذلك توفير غطاء فلسطيني للنظام السوري الذي ورّط في الماضي الفلسطينيين في حرب لبنان عن سابق تصوّر وتصميم. هل تعرف «حماس» انّها تغطي نظاما يستكمل في العام 2018، أي في الذكرى السبعين للنكبة، مهمّة إسرائيل التي قامت اصلا على تشريد الفلسطينيين وابعادهم الى خارج فلسطين.
من الصعب ان تعي «حماس» خطورة توفير غطاء لعملية تشريد أخرى للفلسطينيين يتولاها النظام السوري. ما هو اصعب من ذلك ان تعي ما هي المهمّة التي وجد النظام السوري الحالي من اجلها. تعتقد «حماس» ان موقف مصر من النظام السوري يسمح لها بالقيام باعمال بهلوانية. نعم، هناك نوع من التفاهم بين النظام السوري والقاهرة. في أساس هذا التفاهم الموقف المصري من الاخوان المسلمين. ولكن الى أي مدى يمكن لـ»حماس» ان تجمع بين تطوير العلاقات مع مصر من جهة وكلّ من ايران وقطر من جهة أخرى؟
الثابت في ظلّ كلّ ما يحصل ان الضحية الاولى للنهج الذي تسير فيه «حماس» هو الشعب الفلسطيني. لا يمكن تجاهل انّ «حماس» نفذت انقلابها في غزّة في مثل هذه الايام قبل احد عشر عاما. يتمثل كلّ ما فعلته «حماس» منذ ذلك التاريخ في جلب البؤس والفقر الي غزّة. نشرت فوضى السلاح تمهيدا لانقلابها ثم راحت تطلق صواريخ في اتجاه اسرائيل كي تبرّر لها حصارها للقطاع. تمثلت نتيجة كلّ ما حصل في تكريس لحال الانقسام الفلسطينية. هناك هوة بين الضفّة والقطاع، في ظلّ سلطة وطنية مقيمة في رام الله باتت مهمتها محصورة في التنسيق الأمني مع إسرائيل.
لدى استعراض إنجازات «حماس» في احد عشر عاما، لا يمكن الّا إضافة انجاز جديد لما حققته. يُختزل هذا الإنجاز بالقدرة على الجمع، اقلّه نظريا، بين مصر من جهة وقطر وايران من جهة أخرى مع الوقوف الى جانب النظام السوري في حربه على شعبه وعلى الفلسطينيين المقيمين في سوريا.
عندما يلعب تنظيم فلسطيني اسمه «حماس» مثل هذا الدور لا يعود مجال للتساؤل لماذا تبدو إسرائيل في هذه الايام مرتاحة كلّ هذا الارتياح. اين مشكلة إسرائيل عندما تدعم «حماس» نظاما في سوريا كرّس كلّ جهوده منذ ما يزيد على نصف قرن لمنع أي تسوية معقولة ومقبولة في فلسطين واخذ في الوقت ذاته على عاتقه زجّ الفلسطينيين في حروب داخلية تجعل منهم باحثين عن أماكن لجوء جديدة. انّها أماكن لجوء اكثر بؤسا من المخيمات التي استضافتهم في السنوات التي تلت النكبة. من قال ان المخيمات ترمز الى ذروة البؤس الذي بلغه الفلسطينيون؟