يتنفس «المستقبليون» الصعداء بعودة الرئيس سعد الحريري الى البلاد، وخاصة، استقراره النسبي فيها، اذ لم تكن كسابقتها «الصيفية» الأولى العام الماضي، عندما «بشر» اللبنانيين بالهبة السعودية.. ولكنه غادر البلاد سريعاً.
إلا ان هؤلاء يرفضون اعتبار الحريري «مهاجرا» خارج البلاد، وهم يعون جيدا كمية الانتقادات التي يتعرض لها الحريري بسبب عدم وجوده في لبنان، وقيادته أمور تيار «المستقبل» وكتلته من الخارج عبر «الهاتف» الذي لا يفي في أحيان كثيرة في قيادة مناصريه و»الشارع المستقبلي» الذي تتزايد انتقاداته يوماً بعد الآخر لغياب زعيمه.
يتفاءل «المستقبليون» من تلك العودة، وهم يعتبرون ان «أصل الأمور هو استقرار الحريري في لبنان، وإنْ غادر بعض الأحيان لضرورات أمنية وسياسية»، كما هي الحال اليوم مع مغادرة زعيم «المستقبل» الى السعودية. وهم يكابرون في النقاش العلني عن مدى الاختلاف الذي تحمله مغادرة الحريري للبلاد، عن مغادرة الزعماء الآخرين كالجنرال ميشال عون مثلا الذي يغادر البلاد لحاجات سياسية وضرورات له.. «فلماذا لا ينطبق على الحريري ما ينطبق على غيره؟».
وعلى الرغم من هذه الاعذار، فإن «المستقبليين» لا يخفون سرورهم وارتياحهم من بقاء الحريري لمدة في البلاد، وهي مدة لم تتعد الأسبوعين. والأمر الأكيد يتمثل في أن العودة الى الوطن، والتواصل المباشر من قبل الحريري مع الآخرين، يمثل نقطة إيجابية لمصلحته، خاصة في هذه المرحلة الدقيقة. ويلفت قياديون في التيار النظر الى ان العودة حركت الركود السياسي الحالي وخرقت الجمود الديبلوماسي، في ظل اللقاءات التي عقدها الحريري في محاولة الخروج من حالة المراوحة الحالية.
لكن هل تمكن الحريري من التوصل الى أي انجاز؟ وهل سيؤشر غيابه الى عودة السلبية بالنسبة الى واقع الحياة السياسية؟
يقول قياديون في «المستقبل» إن الحريري غادر البلاد بعد ان حاول جاهدا دعم الرئيس تمام سلام في مسعاه لتغيير الآلية الحكومية والتوصل الى آلية جديدة تتيح للحكومة الانعقاد للتوصل الى إنتاجية في العمل الحكومي، وهو الامر الذي يكفله الدستور، أي ما يتعلق بالقرارات داخل مجلس الوزراء، سواء تلك التي تحتاج الى غالبية بسيطة، أو تلك التي يحتاج إقرارها الى غالبية الثلثين من الوزراء.
يشير هؤلاء الى ان التعطيل الحكومي الحالي لا يفيد أحدا في البلاد، لا بل انه يساهم في تعزيز حالة التعطيل العامة التي تستمد زخمها أيضا من حالة الفراغ الرئاسي. لكن، يأسف هؤلاء الى الواقع المعقد الذي أفشل مسعى الحريري، من دون ان يعني ذلك ان مغادرته هي نتيجة يأسه من توصل هذا المسعى الى نتائج.
هذا مع العلم ان الفشل في تغيير الآلية الحكومية يعود الى شعور المسيحيين ان «تسليك» هذا المسعى لن يخدم مساعي التوصل الى انتخاب رئيس جديد للجمهورية، اذ ان فتح الباب امام تسييل عمل الحكومة سيعزز واقع انه في امكان البلاد المضي قدماً في ظل غياب الرئيس. هذا الامر يقابله «المستقبليون» برأي آخر يشير الى ان تعطل عمل مجلس الوزراء لن يساهم في انتخاب رئيس، كما ان تحقيق خرق في عمل مجلس الوزراء لا علاقة له بتسهيل التوصل الى انتخاب رئيس للجمهورية.
وعلى هذا الصعيد، ثمة تشاؤم في أوساط «المستقبليين» من التوصل الى انتخاب قريب لرئيس الجمهورية، ذلك ان الامر يعود في الأساس الى رفض الطرف الآخر بقبول تسوية على هذا الصعيد، وهم لا يوجهون فقط أصابع الاتهام الى الجنرال ميشال عون، بل «الى الطرف الإيراني الذي لا يزال يضع الفيتو على مرشح تسوية قبيل مفاوضاته النووية مع الطرف الأميركي». على ان بعض «المستقبليين» يشيرون الى ان «الفيتو الإيراني سيرفع من قبل طهران مع المكاسب التي قد تحصِّلها من الطرف الأميركي، سواء في لبنان أو خارجه».
هل سيطول غياب الحريري؟
يؤكد «المستقبليون» ان المبدأ يتمثل في حركة الحريري داخل لبنان، مشددين على ان غيابه لن يطول. لكن، وعلى الرغم من ذلك، فإن نشاطه الخارجي، في السعودية أو غيرها، يصنف في اطار جهده الديبلوماسي في سبيل دفع الخارج الى الاهتمام بالملف اللبناني، كما بمحاولته تعزيز أجواء الحوار بين اللبنانيين وتقريب وجهات النظر في ما بينهم، وليس بالضرورة الاتفاق على هوية الرئيس الجديد، بل أقله، ترطيب الأجواء اللبنانية الداخلية وتنفيس الاحتقان المذهبي ومحاولة تجنيب البلاد رياح الانفجار الإقليمي العاصف بالمنطقة.
أما متى ستكون العودة الحريرية المقبلة؟ فلا يبدو ان الحريري يضع سره لدى أحد.. لضرورات قد لا تقتصر على الجانب الأمني.