IMLebanon

عندما يُقرّر الحريري إعطاء «صك براءة» لـ«القمصان السود»

حمل نجيب ميقاتي كامل عدّته، وانتقل بسلاسة، كما وعد، إلى محور المعارضة. لم ينتظر «أبو ماهر» أن يدخل سعد الحريري إلى السرايا، بل سبقه إلى هناك ليشنّ هجومه الدّفاعي، لتُسجَّل في أرشيفه أنّها كانت من المرّات القليلة التي يتخلّى فيها عن أسلوبه في «المسايرة» وتدوير الزوايا، وهو الأسلوب الذي ينتقده كثيرون عليه منذ سنوات.

على الأغلب، لن تكون المرّة الأخيرة. هو الذي اعتصم بحبل الصمت لكي لا يكون أمام لائحة من الردود على شتّى الأوصاف التي كيلت إلى «حكومة قولنا والعمل». في حينه، وضع القطن في أذنيه كي لا يسمع الاتهامات بأنّ حكومته هي «حكومة التغطية على المجرمين الضالعين في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري» أو «حامي حكومة تسهّل الاغتيالات السياسيّة»، تماماً كما غضّ النظر عن «يوم الغضب».

ولمّا أوتيت له الفرصة، خلع ابن طرابلس «الدرع الواقية» التي ردّت سهام خصومه وقرّر أن يقلب الأدوار. ربّما بقي السؤال يتردّد في باله: «ليش حلال عليهم، وحرام علينا؟»، عندما وقعت عيناه على التشكيلة الحكومية التي «ناضل» الحريري كي يشكّلها ودفع ثمنها غالياً من شارعه وهو يسقط اسم ميشال عون في صندوقة الانتخاب في مجلس النوّاب.

في عزّ ما سمته «14 آذار» آنذاك «حكومة اللون الواحد»، كان لرئيسها حصّة تعادل حصّة الحريري في حكومةٍ يُطلق عليها اليوم تسمية «الوحدة الوطنيّة» ولفريق «8 آذار» ومن يدورون في فلكه الأكثريّة المُطلقة.

وفي عزّ الكلام عن «رئيس حكومة القمصان السود»، لم يتجرأ ميقاتي أن يُسند حقيبة العدل للمستشار القانوني للرئيس إميل لحود الذي كان يُفنّد مخالفات إنشاء المحكمة الدوليّة وأعمالها حتى بعد انتهاء ولاية الأخير، وصولاً إلى المؤتمر الصحافي الشهير الذي عقده جريصاتي ورئيس «كتلة الوفاء للمقاومة» النائب محمّد رعد لتأكيد «عدم دستوريّة المحكمة الدوليّة» ومن قلب مجلس النواب.

ومع ذلك، فعلها الحريري، واستطاع أن يلامس «الخطوط الحمراء» عند جمهوره، التي لم يكن يخطر ببال ميقاتي حتى أن يفكّر فيها أو يهمسها همساً. قد يكون لسان حال ميقاتي اليوم كالمثل القائل: «الصيت لي والفعل لغيري».

العودة إلى الوراء، تشي بأنّ «أبو ماهر» راكم ما لم يستطع أن يحصده سعد الحريري في كلّ حربه على «حزب الله». هو الذي «خاصم» تكتّل «التغيير والإصلاح» على طاولة السرايا و«حرد» ثم استقال لأنّ أكثريّة حكومته لم تقبل بالتمديد لأشرف ريفي في قوى الأمن الداخلي، ونال تمويلاً لبروتوكول المحكمة الدولية.

وحدها نظريّة النأي بالنفس، تشي بما وصل إليه «الحريريون». سابقاً، نظّمت «14 آذار» حلقات و «حفلات زجل سياسي» لإطلاق رصاصة الرحمة على «صناعة ميقاتي أند كو». أما اليوم، فلا يملّ رئيس «المستقبل» وفريقه التأكيد بالتزام «النأي بالنفس».

ليس ذلك فحسب، وإنّما كانت المفاجأة عندما أعلن سليمان فرنجية منذ أقلّ من عام أنّه اتفق مع الحريري أن يكون البيان الوزاري للحكومة هو البيان الوزاري نفسه لحكومة ميقاتي.

على الأغلب، يشعر «أبو ماهر» اليوم بالراحة. فالأحد سلّمه الحريري «صكّ براءة» لـ «حكومة القمصان السود»، عندما وافق على ترؤس ما هو أشد منها وطأة.. بالسياسة والوجوه والأسماء.

ولذلك، ما إن سمع ميقاتي بتشكيلة الحكومة حتّى فاض بكلّ ما اختزنه على مدى سنوات، وأشهر كلّ أسلحته، على اعتبار أنّ «ملف الحريري» في جيبه. فكان سؤاله بديهياً: «ما إذا كان فعلا ً(الحريري) لا يزال متمسكا بالعناوين السياسية التي رددها طوال السنوات الماضية، وشن حروبا شعواء بشأنها وفي مقدمها المحكمة الدولية الخاصة بقضية الرئيس الشهيد رفيق الحريري، وهل ما حصل فعلا في تشكيل الحكومة وما قبلها يكرس قولا وفعلا الثبات على هذه العناوين؟».

في بيان ميقاتي الذي انتهى بكلمة «مبروك» أشبه ما تكون بـ «المباركة اللئيمة»، دعا الحريري إلى اجراء مراجعة كاملة «لكل المواقف والخطوات التي اتخذتها وفريقك من الحكومة التي رأستها ومن الاداء الذي قمنا به والذي حفظ لبنان في اصعب مرحلة. كما ادعوك الى الحفاظ على الثوابت والاسس، كما فعلنا نحن، وهكذا يكون التداول الحقيقي للسلطة».

لم يكتف بهذا القدر، بل قرّر أن يكمل ليلمّح كما لو أنّه الأقدر على المحافظة على السلطة الثالثة»، عندما شدّد «أنّنا لن نتهاون في اي أمر يتعلق بالثوابت الوطنية واتفاق الطوائف والصلاحيات الدستورية الممنوحة لرئيس مجلس الوزراء ومقاربة الملفات الكثيرة المطروحة».

في المقابل، لم يتأخّر ردّ الحريري كثيراً. لا جرعة من الوقائع في بيانه ولا استعادة للماضي، بل حمل «دولة الرئيس» هاتفه وقرّر أن يغرّد بالعواطف الجياشة، قائلاً: «نعم يا دولة الرئيس، وأنت أكثر من يعرف ذلك، علما اننا لم نشن أي حروب، بل نحن من تعرضنا للحروب والاغتيال والغدر».

لننتظر مطالعة ميقاتي في جلسة الثقة. ستحمل في طياتها انتقادات محفورة بالسياسة للحكومة وبيانها الوزاري. العهد «لبيس».. والحكومة «لبيسة»، ولتتوزع الرشقات بين الاثنين طالما أن موسم الانتخابات على الأبواب.