IMLebanon

عندما يقع الحريري.. واقفاً!

 

«إلي بيوقع لازم يرجع يوقف»، عبارة للرئيس سعد الحريري، تحمل في طياتها الكثير من المعاني لشخصٍ وقعت الدنيا على رأسه، في 14 شباط 2005، مع اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، كذلك وقعت على رأس البلد الذي وقع منذ 14 عاماً، ولم تقم له قائمة حتى اليوم.

 

14 عاماً، والحريري لم يقع في أيٍّ من الأهداف التي أرادوها من اغتيال رفيق الحريري، على رغم كل المحاولات التي جرت لإيقاعه، بالترغيب حيناً، وبالترهيب غالب الأحيان، واستمرّ واقفاً في وجه كل ما تعرّض له، وإن اجتهد البعض، في محطات كثيرة، في إظهاره في موقع مَن وقع، مِن باب المزايدات وتصفية الحسابات التي سرعان ما ذاب ثلجُها وبان مرجُها.

 

لم يقع الحريري في فخّ الثأر والانتقام. طالب بالحقيقة. حمل دم والده، مع رفاق الدرب، من أرض الجريمة إلى أرض العدالة، التي سيكون العام 2019 عامها، مع انعقاد جلسة الحكم لمعرفة الحقيقة، صابراً على جرح سيبقى نازفاً، لا يندمل، ولا يلتئم، مهما كانت وجهة الحقيقة التي لن تعيد رفيق الحريري إليه.

 

لم يقع الحريري في فخ الفتنة في 7 أيار، وما سبقها وتلاها في أحداثٍ عدة. استمرّ قابضاً على الجمر في يده التي ظلّت ممدودة للجميع، حتى لمَن حاول قطعها مرات ومرات، كي لا يسمح باغتيال رفيق الحريري مرة ثانية، والعودة بالبلاد إلى زمن من الحرب طواه الرئيس الشهيد بمشروعه الذي كتب للبنان الحياة في عزّ الموت، وصنع لأهله الأمل في ذروة اليأس.

 

لم يقع الحريري في فخ الخروج عن العمق العربي. استمرّ حاضراً فيه بعروبته المعتدلة، مسخّراً إياه في خدمته، وفي خدمة ما يحتاجه لبنان العربي للصمود والنأي بالنفس عن منطقة تُستباح وتشتعل ببراكين الحروب الأهلية والأطماع الإيرانية، ومدافعاً عن هذا العمق العربي في أوج الحملات التي كانت تستهدف مَن يمثله ويقوده، بقدر ما كانت تستهدف تغييرَ وجه لبنان العربي، في زمن المفاخرة الإيرانية بوهم احتلال العواصم العربية، ومن ضمنها بيروت.

 

لم يقع الحريري في فخ تقليد الآخرين بتطرّفهم وتعصّبهم واستقوائهم بالسلاح. استمرّ باعتداله في زمن لم يكن فيه صوت يعلو فوق صوت التطرف، من الداخل إلى الخارج. كانت بيئته مستهدَفة في زمن «داعش» و»النصرة» وأخواتهما، لكنه حمى هذه البيئة، وجنّبها ويلات ما أصابها في دول الجوار، ولا سيما في سوريا والعراق، من مأساة ومعاناة ونكبة، تكاد تكون الأقسى في التاريخ الحديث، بعد النكبة الفلسطينية.

 

لم يقع الحريري في فخ ضرب «دستور الطائف»، ولا سيما في المرحلة الاخيرة، إبان تشكيل حكومته الاخيرة. بادر من رصيده السياسي والشعبي لطمأنة الشريك، وخاض في أكثر من تسوية، من أجل الحفاظ عليه وتفويت الفرصة على المتربّصين به. كانت الأولوية لدى الحريري، ولا تزال، أن لا يقع «الطائف» الذي هندسه الرئيس الشهيد، لأنّ وقوعه يعني وقوع البلد من جديد، ودخوله في المجهول. تصدّى، طوال السنوات الماضية، لكل المحاولات التي كانت، ولا تزال، تحاول النيلَ منه لـ»إسقاط المناصفة» وإعادة «تشغيل العدّاد»، وبوصلته في ذلك كتاب الرئيس الشهيد الذي كرّس المناصفة في «الطائف»، بعدما قال: «وقّفنا العدّ».

 

لم يقع الحريري في كل ما سبق، ولن يقع، لكنه لا شك وقع في حرصه على أن لا يقع لبنان في المحظور، وها هو اليوم يعود رئيساً لحكومة «إلى العمل»، وكله أمل وتصميم بأنّ لبنان الذي وقع في 14 شباط 2005، سيعود للوقوف من جديد، وسيعود كما كان، وكما يجب أن يكون.