هذه رواية عن خالد بن صفوان، دارت في مجلس الخليفة العباسي أبو العباس السفّاح، منذ صادر اللغة العربيّة وحازها إلى اليمن، التي يطالب فيها الكثير من اليمنيين بالعودة إلى لغة «حِمْيَر» باعتبارها لغتهم الأم، وتفاخر على المملكة العربية السعودية وعلى تاريخ الإسلام فيها فحازه إلى اليمن باعتبارهم «العرب الأقحاح» وربما علينا أن نحيله على مؤلفات كثيرة ليمنيين ينفون فيها حتى أنهم عرب… بحثت منذ خطاب نصرالله الأول الذي تدخل فيه بالشأن اليمني، وتكوّنت لديّ مباحث كثيرة وافية في هذا الأمر، واختصرت مناظرة بين عربي من قريش ويمني في مجلس الخليفة العباسي الردّ على هذا التفاخر «الفارسي»، علّه يقرأ ، فيريحنا ويرتاح…
«أخبرنا أبو العز السلمي، كان أبو العباس يعجبه السمر ومنازعة الرجال، فحضره ذات ليلة في سمره إِبْرَاهِيم بْن مخرمة الكندي، وناس من بْني الحارث بْن كعب، وهم أخواله، وخالد بْن صفوان بْن إِبْرَاهِيم التميمي، فخاضوا في الحديث، وتذاكروا مضر واليمن، فقال إِبْرَاهِيم: يا أمير المؤمنين، إن اليمن هم العرب الذين دانت لهم الدنيا، وكانت لهم القرى، ولم يزالوا ملوكاً أرباباً، ورثوا ذلك كابراً عن كابر، أولاً عن آخر، منهم النعمانيات، والمنذريات، والقابوسيات، والتبابعة، منهم من حمت لحمه الدبر، ومنهم غسيل الملائكة، ومنهم من اهتز لموته العرش، ومنهم مكلم الذئب، ومنهم الذي كان يأخذ كل سفينة غصباً، وليس شيء له خطر إلا وإليهم ينسب من فرس رابع، أو سيف قاطع، أو درع حصينة، أو حلة مصونة، أو درة مكنونة، إن سئلوا أعطوا، وإن سيموا أبوْا، وإن نزل بهم ضيف قروا، لا يبلغهم مكاثر، ولا ينالهم مفاخر، هم العرب العاربة وغيرهم المتعربة.
قال الخليفة أبو العباس: ما أظن التميمي يرضى بقولك، ثم قال: ما تقول يا خالد؟ قال: إن أذنت لي في الكلام وأمنتني من الموجدة تكلمت، قال: قد أذنت لك فتكلم ولا تهب أحداً، فقال:أخطأ يا أمير المؤمنين المتقحم بغير علم، ونطق بغير صواب، فكيف يكون ما قال، والقوم ليست لهم ألسن فصيحة، ولا لغة صحيحة، ولا حجة نزل بها كتاب، ولا جاءت بها سُنّة، وهم منا عَلَى منزلتين: إن جاروا عن قصدنا أكلوا، وإن جازوا حكمنا قُتلوا، يفخرون علينا بالنعمانيات، والمنذريات، وغير ذلك مما سنأتي عليه، ونفخر عليهم بخير الأنام، وأكرم الكرام مُحَمَّد عليه السلام، ولله علينا المنّة وعليهم، لقد كانوا أتباعه، فبه عزّوا، وله أكرموا، فمنّا النبي المصطفى، ومنا الخليفة المرتضى، ولنا البيت المعمور، والمشعر، وزمزم، والمقام، والمنبر، والركن، والحَطيم، والمَشاعر، والحِجابة، والبَطْحاء مع ما لا يخفى من المآثر، ولا يدرك من المفاخر، وليس يُعدل بْنا عادل، ولا يَبلغ فضلنا قول قائل، ومنا الصدّيق، والفاروق، والرضيّ، وأسد الله سيد الشهداء، وذو الجناحين، وسيف الله، وبنا عرفوا الدِّين، وأتاهم اليقين، فمن زاحمنا زاحمناه، ومن عادانا اصطلمناه.
ثم التفت، فقال: أعالم أنت بلغة قومك؟ قال: نعم، قال: فما اسم العين؟ قال: الحجمة، قال: فما اسم الِّسنْ؟ قال: الميدن، قال: فما اسم الأذن؟ قال:الصنارة، قال: فما اسم الأصابع؟ قال: الشناتر، قال: فما اسم اللحية؟ قال: الزب، قال: فما اسم الذئب؟ قال: الكتع، قال: فقال له: أفمؤمن أنت بكتاب الله؟ قال: نعم، قال: فإن الله تعالى يقول: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْءَانًا عَرَبيّاً لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} [سورة يوسف: 2]، وقال: {بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ} [سورة الشعراء: 195]، وقال: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلا بِلِسَانِ قَوْمِهِ} [سورة إِبْرَاهِيم: 4].. فنحن العرب والقرآن بلساننا نزل، ألم ترَ أنّ الله عزّ وجلّ قال: {وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ} ولم يقل: «الحجمة بالحجمة»، وقال: {وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ} ولم يقل: «الميدن بالميدن»، وقال: {وَالأُذُنَ بِالأُذُنِ} ولم يقل: «الصنارة بالصنارة»، وقال: {يَجْعَلُونَ أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ} ولم يقل «شناترهم في صناراتهم»، وقال: {لا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلا بِرَأْسِي} ولم يقل «لا تأخذ بزبي»، وقال: {فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ} ولم يقل «أكله الكتع».
ثم قال: أسألك عن أربع، إن أنت أقررت بهن قُهِرْتَ، وإن جحدتَهُن كَفَرْتَ، قال: وما هن؟ قال: الرسول، منّا أو منكم ؟ قال: منكم، قال: فالقرآن، نزل علينا أو عليكم؟ قال: عليكم، قال: فالبيت الحرام، لنا أو لكم؟ قال: لكم، قال: فالخلافة، فينا أو فيكم؟ قال: فيكم، قال خالد: فما كان بعد هذه الأربع فلكم»…
ومن له عينان تقرآن، فليقرأ، ومن له أذنان تسمعان فليسمع..