في غمرة الكلام على الميثاقية والإسهاب فيه وتناقض الآراء والمواقف والإستنتاجات… رغب إليّ مدير التوزيع في «الشرق» الزميل أنطوان طرّاف أن أستعيد هنا ما حدث إثر تكليف الرئيس المرحوم أمين الحافظ تشكيل الحكومة في منتصف عهد الرئيس سليمان فرنجية…
لقد أدى ذلك التكليف الى شبه ثورة في الطيف السنّي إعتراضاً على الحافظ، وإصراراً على أن يكون الرئيس (الشهيد لاحقاً) رشيد كرامي في السراي… ونشأت إضطرابات وعقدت قمم إسلامية (…) والموقف واحد: لا حلّ إلاّ بعودة الرشيد الى السراي.
في تلك اللحظة الحاسمة دُعي إلى إضراب عام في طرابلس.
الرئيس أمين الحافظ كان يمكنه أن يتحمل (لا أن يواجه) الموقف السنّي تحديداً والإسلامي عموماً في كل مكان. أما أن تُقفل مدينته، عاصمة الشمال، في وجهه، فذلك ما لا طاقة له على تحمله.
الزميل العزيز فيليب أبي عقل كانت تربطه صداقة وثيقة بالدكتور أمين الحافظ، فاتصل بي قائلاً: دولته يتمنى عليك أن تستمع اليه في أمر ما الآن، وهو في منزله في سن الفيل حرش تابت الأعلى، منطقة «ضهر البسينات». وافيتهما الى هناك على الفور، لأجد الدكتور أميناً جالساً الى مكتبه، داخل بيته، وهو في حال ضياع. وسرعان ما بادرني قائلاً: لا أستطيع أن أتحمل إضراباً عاماً ومسيرات ضدّي في طرابلس…
سيصح بي القول المأثور «من بيت أبي ضُربت». وأضاف: أعرف جيّداً الصداقة القوية بينك وبين «أبو نافذ» (المرحوم فاروق المقدّم الذي كان يمسك بالشارع في طرابلس)، فأرجوك أن تتصل به أقله للإستفسار.
أذكر أنني تناولت سمّاعة الهاتف واتصلت بفاروق المقدّم، فيما كان «السبيكر» ينقل الصوت الى المرحوم أمين الحافظ وفيليب.
قلت: يا أبا نافذ شو حكاية الإضراب والمسيرة؟
أجاب: ما خصّني… بطيخ يكسّر بعضو بين رشيد (كرامي) وسليمان (فرنجية)…
قلت: ولكن المسألة تتعلق بالدكتور أمين (الحافظ).
(وهنا ألقيت نظرة على ملامح الرئيس الحافظ فبدا وكأنه في ذروة توتره بانتظار الجواب).
قال فاروق: أمين رجّال آدمي، ولكن علاقته مزمنة برشيد وهو نائب في كتلته قبل أن يكون رئيساً للوزراء…
واستدرك سائلاً: ماذا تقصد؟
أجبته: أقصد اننا لا نريد الإضراب ولا المسيرة.
فقال: قلّلو لأمين إن طرابلس لن تتحرك ضدّه، واللي بدّو ينزل عَ الشارع بدّي اكسرلو إجرو!
وبيت القصيد من هذه الرواية ليس هنا، بل في مجلس النواب. فعندما توجهت حكومة الحافظ الى ساحة النجمة للحصول على الثقة التي كانت مضمونة بأكثرية كبيرة، اعتلى الرئيس المرحوم كميل شمعون (وكان راضياً عن الحكومة الجديدة ويمنحها تأييداً كاملاً وله فيها حصة وازنة) ارتقى المنصّة وقال للصحافيين (قبيل إفتتاح الجلسة): نحن في لبنان حيث التوافق أساس، وحيث الأطياف كلها يجب أن تشعر بالراحة والطمأنينة، واخوتنا أهل السنّة شعروا بالغبن من خلال هذه الحكومة لذلك لن تأخذ الحكومة الثقة… وانسحب مع كتلته النيابية (وكانت الأكبر) وغادر معظم النواب الآخرين…
… واستقال أمين الحافظ… ولم تتعرض الميثاقية الى نكسة!