IMLebanon

عندما يصبح «حزب الله» «عرّاب» الاتفاق الإسرائيلي ـ الروسي

يبدو أنه من الصعب على «حزب الله» تقبل واقعه الجديد والذي أصبح فيه أسيراً لارتباطات ومشاريع خارجية معروفة الوجهة بشكل مكشوف وفاضح وأداة تُحركها المصالح، على عكس سنوات خلت حاول خلالها التلطي خلف شعارات وعناوين مرحلية استغلها إلى أقصى حد لإظهار نفسه على صورة منقذ العالم «المستضعف»، من وراء قناع «المقاومة» التي أضاعها هي الأخرى بين طاولات البازارات السياسية والمكاسب التي تخدم مشاريعه الديموغرافية التوسعية.

من غرفة عمليات لمقاومة إسرائيل إلى منصّة لاستهداف الوطن، هكذا حوّل «حزب الله» حارة حريك، والتي أصبحت تنطلق منها هجمات كتلة «الوفاء للمقاومة» بشكل أسبوعي ضد أفرقاء سياسيين في الوطن لذنب ارتكبوه وهو أنهم رفعوا شعار «لبنان أولاً» لا بشار الأسد ولا إيران ولا «طريق القدس تمر من الزبداني»، أي على جثث أطفال سوريا. وآخر «شطحات» الحزب تماهيه مع الموقف الأميركي – الروسي – الإسرائيلي – الإيراني الداعي إلى مكافحة الإرهاب وإعلانه الدعم العسكري البرّي للقوات الروسية في مناطق محددة في سوريا وكأنه بذلك يُمهّد الأرضية للاتفاق الروسي – الإسرائيلي الأخير القاضي بإنشاء حلف وتفاهم حول الطريقة الجديدة التي ستُخاض فيها الحرب هناك.

أمس اتهم «حزب الله» تيار «المستقبل« بـ»الارتهان لجهات خارجية وتحديداً السعودية وتحوله الى وكيل علني لارتكابات المملكة وأخطائها». لكن في الواقع اللبناني على وجه الخصوص، أين هو الخطأ في وقوف ليس فريقاً سياسياً محدداً بل كل اللبنانيين مع بلد شقيق له في كل بقعة جغرافية لبنانية وبيت لبناني بصمات خير وعطاء من دون مقابل وهي التي أخرجت لبنان من حالة الحرب إلى السلم، واليوم يُريد الحزب أن يُعيد عقارب الساعة إلى مرحلة الاقتتال ليبرّر تدخله في سوريا. أليس من واجب كل لبنان أن يقف إلى جانب دولة شقيقة وجارة تدعو العالم كله للوقوف معها في محاربة جماعات إرهابية تعتدي على حدودها وأمنها، وهي التي تدعو على الدوام إلى كلمة سواء بين شعب واحد للخروج باتفاق ورؤية واحدة ينتج عنهما انتخاب رئيس يُخرج لبنان من دوامته وأزماته وحالة الانشقاق السياسي والمذهبي التي يعيشها؟.

المشكلة في «حزب الله» أنه يُمارس ما يتهم به الآخرين في بياناته ومُمارساته الفعلية. يُقاتل في أرض حمته وحمت مقاومته وجمهوره يوم انقلب هو على قرارات الشرعية في بلده واستفرد بقراري الحرب والسلم، ويقتل فيها شعب فتح له ذات تموز بيوته لعائلات قياداته العسكرية والسياسية. واليوم يؤكد الحزب من خلال انجراره مجدداً على طريق نحر الشعب السوري أن مواقفه ضد إسرائيل طيلة الأعوام السابقة كانت تخضع لتسويات سياسية لم يكن فيها سوى متلقٍ للأوامر ومنفذ لها، وأن مشروعه «المقاوم» الذي كلّف لبنان واللبنانيين الدمار والخراب وآلاف الشهداء والجرحى، يُمكن أن يُصبح من الماضي بمجرّد وعود مستقبلية تتيح له توسيع نطاقه الديموغرافي ولو على حساب ما تبقّى من سيادة سورية.

غريب هو أمر «حزب الله» وعجيبة هي أوامره. لم يعد يُسمع عنه اختراقه أمن إسرئيل ولا دخوله في حرب استخباراتية معها. يصب كل اهتماماته على قلب أنظمة عربية وتحريض شعوبها. يجعل من السعودية هدفاً سياسياً وتحريضياً دائماً خدمة للإيراني. يدعو إلى انقلاب في البحرين ويُساعد الإرهاب في اليمن ويمهد لقلب النظام في الكويت ويستغل القضية الفلسطينية أسوأ استغلال ويعمل على تدمير سوريا وتشريد شعبها، ومقابل هذا تنعم إسرائيل، عدوته المفترضة، بالأمن والأمان حتى أصبحت النقطة الحدودية بينه وبينها توصف بالمكان الأكثر هدوءاً مقارنة مع ما يحصل في المنطقة، ومع هذا يُقيم الدنيا ولا يُقعدها بعد كل عملية كشف عن عميل في صفوفه.

واليوم يُدرك «حزب الله» أن مساراً جديداً في سوريا بدأت عناوين تسويته تلوح في الأفق وذلك على قاعدة تقسيم مناطق وبلدات سورية بين الدول التي انضوت مؤخراً تحت شعار ضرب الإرهاب وهو الذي استعجل للانتهاء من ملف «الزبداني» سياسيّاً بعدما عجز عن حله عسكريّاً، ضمن مخطط على قاعدة التقسيم المذهبي وهو ما أعلن عنه السيد حسن نصرالله بنفسه مؤخراً في معرض كلامه حول عملية التبادل السكاني بين «الزبداني» و»كفرية» و»الفوعة» ولكن بطريقة غلّفها بعبارة «من يريد من المدنيين».

سيخوض «حزب الله» معارك بريّة إلى جانب القوّات الروسية في سوريا كميليشيا مسلحة شاركت في عمليات قتل الشعب السوري وتهجيره وتدمير بلده وتجزئة أراضيه واقتطاع قسم منها لصالحه تماماً كما حصل في «القصير» التي تحوّلت إلى «إمارة» خاصّة بعوائل قادته، وهذا الأمر سيجعله شريك الإسرائيلي سواء في السر أو العلن، وسيعلم عاجلاً أم آجلاً، أن مقاومته في لبنان أصبحت لزوم ما لا يلزم وبالتالي وجب عليه البحث عن «أرض الميعاد» ليبني عليها دويلته الموعودة بغض طرف إسرائيلي على غرار سنوات حكم آل الأسد من عهد الأب إلى الابن وضمن المهمة ذاتها وهي تأمين أمن وسلامة الجولان والقنيطرة.