قاسم يجاهر بما يعرفه الجميع ضمناً
كان يكفي ان يطلق نائب الامين العام لـ «حزب الله» الشيخ نعيم قاسم هذا الموقف، خلال رعايته احدى المناسبات قبل أكثر من عشرة ايام، حتى تهب عليه وعلى الحزب عاصفة سياسية مصدرها قوى «14 آذار».
لم تبق جهة او شخصية في هذا الفريق إلا و «بلّت» يدها بكلام قاسم، ولم يبق اتهام إلا وَوُجِّهَ الى الحزب الذي اعتبر البعض انه ضُبط في وضح النهار بجرم التعطيل المشهود للاستحقاق الرئاسي.
هناك في «14 آذار» من قال ان «حزب الله» أحرق اسم عون عن سابق تصور وتصميم في معرض الترويج له، وهناك من رأى ان معادلة قاسم تثبت احتجاز إيران لرئاسة الجمهورية من أجل المقايضة عليها في الصفقات او التسويات الاقليمية.. وغيرها من الفرضيات والسيناريوهات التي تنافس خصوم الحزب على تسويقها.
لقد بدا واضحا ان هؤلاء الخصوم وجدوا في موقف قاسم فرصة للاستثمار السياسي ومحاولة لتسجيل النقاط على الحزب في الوقت الرئاسي الضائع، والذي لن تملأه بالشخص المناسب، إلا تسوية محلية ـ خارجية، لم تنضج معالمها بعد، في انتظار ما سيؤول اليه مخاض أزمات المنطقة.
وحتى ذلك الحين، تعتبر أوساط سياسية داعمة لـ «حزب الله» ان «معادلة قاسم» لم تخترع جديدا في الجوهر وإن كانت «صاخبة» في الشكل، وبالتالي فان ما فعله نائب الامين العام هو انه جاهر علنا ومن دون مواربة بما يعرفه الجميع اصلا، بمن في ذلك فريق «14 آذار»، وهو ان الشغور الرئاسي باق الى حين التوافق مع عون، إما على انتخابه رئيسا للجمهورية وإما على تنازله عن هذا الحق، وهو ما يرفضه بشدة حتى الآن، على قاعدة انه لن يكرر خطيئة الوقوع في «مصيدة» صناعة الرؤساء وتجيير رصيده الى غيره كما فعل عام 2008.
وتشير هذه الاوساط الى ان قاسم كان، في ما أدلى به، متصالحا مع نفسه ومنسجما مع استراتيجية الحزب الذي لا يناور في تأييد وصول عون الى قصر بعبدا، ومن الطبيعي ان يذهب في دعمه له الى الحد الاقصى الممكن، تعبيرا عن مصداقية الطرح أولا وعن الوفاء للجنرال ثانيا.
وإذا كان البعض في «14 آذار» قد وجد في السقف المرتفع لقاسم إحراقا لعون على قاعدة ان «من الحب ما قتل»، إلا ان الاوساط المؤيدة لـ «حزب الله» تلفت الانتباه الى ان أصحاب هذة «الترجمة الفورية» لم يأخذوا بعين الاعتبار ان الحزب ينطلق في دعمه ترشيح عون الى الرئاسة من معايير أخلاقية الى جانب تلك السياسية، وبالتالي فان الحزب ليس بوارد استخدام التكتيكات والمناورات المعتادة في الحياة السياسية اللبنانية، في معرض التعامل مع الجنرال، خصوصا عندما يتعلق الامر باستحقاق استراتيجي ومفصلي كانتخابات الرئاسة.
وتستغرب الاوساط ذاتها كيف ان المرتابين في نيات قاسم هم أنفسهم كانوا يأخذون على «حزب الله» في السابق عدم وضوحه بتأييد انتخاب عون، بل ذهبوا الى القول في حينه ان هذا الغموض يعبر عن رفض الحزب الضمني وصول الجنرال الى بعبدا، فلما قرر ان يقف الى جانب حليفه قولا وفعلا، على المنابر كا في الغرف المغلقة، استمر هؤلاء مصرين على الاستنتاج ذاته، كأن شيئا لم يتغير.
وتلفت الاوساط المؤيدة للحزب الانتباه الى ان موقف قاسم يرمز في بُعده العميق الى دلالة كبرى على مستوى التوازنات الداخلية، إذ إنه يعكس حماسة «حزب الله» لاختيار رئيس مسيحي قوي، يعبر عن حيثية تمثيلية واسعة في الشارع المسيحي، من شأنها ان تؤهله ليكون شريكا فعليا في السلطة، وصمام أمان في مرحلة التوتر السني ـ الشيعي.
وترى الاوساط ان هذا الخيار الاستراتيجي يجب ان يُسجل للحزب الذي تجاوز من خلاله كل الحسابات الطائفية الضيقة، وقرر ان يدفع في اتجاه تعزيز الحضور المسيحي الوازن في مؤسسات الدولة، وعلى رأسها مؤسسة رئاسة الجمهورية، في مقابل سياسة التهميش والاستئثار المتبعة من الفريق الآخر في الداخل، وسياسة الإلغاء والإذلال المتبعة من القوى التكفيرية في المنطقة.
وتشدد الاوساط على انه لا يوجد تعارض بين تأييد الحزب لعون وبين كونه مرشحا توفيقيا، لافتة الانتباه الى ان الرئيس التوفيقي يجب ان يكون على علاقة جيدة مع جميع القوى الاساسية، وموضع ثقة من قبلها، وهذا شرط يتوافر لدى الجنرال الذي بات يربطه تفاهم راسخ مع «حزب الله» و«إعلان نيات» واعد مع «القوات اللبنانية».