IMLebanon

عندما يصمّ «حزب الله» آذانه عن مجازر الأطفال

صمت وترقّب. باختصار، هذا هو المشهد الذي يُسيطر اليوم داخل بيئة «حزب الله»، بحيث لا صوت يعلو فوق صوت معركة «حلب» ونتائجها. الوقت داخل هذه البيئة لا يسمح بالتعبير عمّا تختلجه النفوس ولا حتّى الإعتراض على بعض التقنيّات أو ربّما الأخطاء «البسيطة» التي تُهدر بسببها حياة إنسان لا هم إن كان في أوّل العمر أو أرذله، فالمهم القيام بـ«الواجب» المطلوب أوّلاً ومن ثم المُعالجات التي تأتي غالباً، عكس إرادة أصحاب الدم المنثور على الحدود الممتدة على طول جبهات الغربة.

خسائر «حزب الله» في سوريا، تتزايد بشكل غير مسبوق وغير متوقّع. مرحلة صعبة باعتراف قادة الحزب السياسيين والميدانيين ومن غير المتوقّع إيجاد حل لها في المدى المنظور. فخلال أقل من اسبوع واحد، فقد «حزب الله» ما لا يقل عن ثلاثين عنصراً في «حلب» قام بتشييعهم على دفعات لأسباب وصفها البعض بأنها شكّلت ضربة مؤلمة له لم يستطع خلالها امتصاص غضب جمهوره. أما الاعتقاد الثاني، فيعود الى أسباب لوجستية، منها عدم تمكّن الحزب من سحب العديد من عناصره الذين سقطوا في أرض المعركة بسبب حدّة المعارك في «حلب»، الأمر الذي يُجبره على سلوك طرق مغايرة تُعتبر أقل خطورة من طريق «الكاستيلو»، بهدف سحبهم ومن ثم نقلهم تباعاً إلى داخل الحدود اللبنانية.

حتّى الساعة لا توجد قناعة لدى «حزب الله» بالإنسحاب من سوريا أو من أي منطقة حدودية، بل على العكس، فان جميع المؤشرات تُشير إلى تعزيز وجوده في الداخل السوري عديداً وعتاداً، حتّى إنه مؤخراً غابت عن الحدود اللبنانية السورية، مشاهد العناصر وهي تعبر بسيارات عسكرية باتجاه لبنان بهدف الإجازات التي قرّر الحزب منعها خلال الأيّام الماضية بعدما أعلن التعبئة في صفوف قوّات النخبة لديه والإستعداد لمرحلة «حاسمة» في «حلب» سوف تبدأ مطلع الإسبوع المُقبل. وتقول معلومات من داخل بيئة الحزب، إن هناك وعوداً من قبل قياديين في «حزب الله»، بإنهاء حصار الفصائل السوريّة المُسلّحة كُليّاً لبعض مناطق «حلب» وأن هذا الأمر سوف يحد من الخسائر التي يُمنى بها الحزب بشكل يومي. وتستعرض أحاديث ضمن البيئة نفسها، معلومات تقصّد «حزب الله» تعميمها بهدف رفع منسوب التفاؤل والثقة بين جمهوره، تقول إن الحزب وجيش النظام و«الحرس الثوري الإيراني»، سوف يستعيدون «حلب» كاملة في الفترة المُقبلة بدعم جوي غير مسبوق من سلاح الجو الروسي.

بيئة تتخوّف من موت لن يتوقّف. الحدود تحوّلت من معابر لتهريب البضائع، إلى معابر لتهريب الموت تحت جنح الظلام. الحدود تُشبه الثكنات العسكرية، وحده هدير الشاحنات يُسمع ليلاً. أسلحة ثقيلة تُنقل من البقاع باتجاه الداخل السوري، ما يعني بالنسبة الى الاهالي هناك، بأن الحرب طويلة وأن وعود الانتصار «بالفصول» أصبحت حكايات من الماضي وتحديداً في زمن حرب «القلمون» التي لم تنته حتّى اليوم. البقاعيوّن هم أقرب الناس إلى صوت الموت الذي يُسمع من خلف الحدود، لكن في حقيقة الأمر، فإن الجنوبيين هم الأكثر موتاً في هذه الحرب. بهذا الكلام يصف جزء كبير من أهالي الضاحية الجنوبية الحرب «المجنونة» في سوريا.

الإستعدادات التي يتحدّث عنها «حزب الله» والتبريرات التي يُقدمها بشكل متواصل الى جمهوره حتّى أصبحت وكأنها نشرة يوميّة، يبدو انها حجبت عنه رؤية المجازر التي يرتكبها حليفه بشّار الأسد الذي يبدو أن تخصّصه في طبّ العيون، لم يكن سوى ستار على تخصّص آخر وهو قتل الأطفال. فقبل أن تجف دموع الأمهات السوريات في منطقة «حاس» في ريف ادلب على أطفالهن الذين قضوا بقصف طائرات النظام وحلفائه منذ اسبوع تقريباً، كانت بلدة «حرستا» في غوطة «دمشق» الشرقيّة على موعد مع مجزرة بحق أطفالها أوّل من أمس، اثر استهداف النظام نفسه روضة للأطفال بقذائف هاون ما أدى إلى استشهاد ستة أطفال على الأقل وجرح آخرين بعضهم حالتهم حرجة. وعلى الرغم من فظاعة المشاهد التي تناقلتها شاشات التلفزة من مكان الإستهداف، اعلن نظام الأسد أنه «لا دليل على استهداف للاطفال في حرستا».

ضمن استراتيجية «الممانعة» التي يسير عليها «حزب الله»، ثمة تحليلات متعددة لأي حدث يُمكن أن ينتج عنه تحريك المشاعر الإنسانية في أي بقعة من هذا العالم أو أن يُحدث فيه ضجّة إعلاميّة. في هذا المجال يُسجّل غياب وصمت كامل لوسائل اعلام الحزب. ربما هي دواع تتطلّب منه سلوك مثل هذه المواقف وغض الطرف عن تلك الجرائم، لكن في المقابل، إن هذا الصمت يُصبح شراكة فعليّة في الإرتكاب أو أقله ساكتاً عن الحق وبالتالي يُعبّر عن استخفافه بدماء الأبرياء وتحديداً الأطفال، خصوصاً عندما يتبنّى مقولة القاتل «لا دليل على ان هناك استهدافاً للأطفال». ومما لا شك فيه، فان التعامي المتعمّد عن حقيقة حصول المجزرة ، سيجعل أطفال سوريا يتساءلون ذات يوم، ماذا تبقّى في وجدان «حزب الله» على أرض حوّلها إلى كُتل من نار وحوّل أطفالها إلى مُجرّد أرقام ترد أسماؤهم في كل يوم على لوائح الموت.