Site icon IMLebanon

عندما يتنصّل «حزب الله» من خطر.. التكفير

 

خطران وحيدان يتهددان لبنان: الخطر التكفيري والخطر الصهيوني.. هذه خلاصة تجربة «حزب الله» منذ أن بدأ يشنّ حروبه العبثية في الداخل والخارج، ومنذ أن حاول إسقاط النظام اللبناني بين العامين 2007 و2008، مقفلا مجلس النواب ومهددا بيروت والجبل.

«حزب الله»، بالنسبة إليه طبعا، ليس بحدّ ذاته خطرا.. إنه من دون شكّ، يرى في لمساته التعطيلية لمجلس النواب وانتخاب رئيس الجمهورية «بلسما» مخدّرا لإطالة عمر سيطرته على لبنان، ولقصره عن الإعتراف بضعف موقفه في سوريا، ولقناعته بأن ثلاثية «الجيش والشعب والمقاومة» هي الحلّ.

هنا يسأل رئيس المجلس التنفيذي في «حزب الله» الشيخ نبيل قاووق: «لماذا لا نتّفق كلبنانيين على مواجهة الخطر المشترك؟» قد يجوز السؤال لو كان اللبنانيون متّفقين على تحديد الثوابت وركائز النظام اللبناني وعناصر الدولة.. أي دولة. إن ممارسات «حزب الله» أحدثت انقساماً عمودياً بين اللبنانيين، ففي حين اتّجه الحزب وحلفاؤه الى تأييد سوريا، وإعلان الولاء علنا لدولة لا يعيشون في أرضها ولا ينتمون الى شعبها ولا يشاركون في حكمها، صمّم فريق 14 آذار على التمسّك بالدولة..

فإلى أي لبنانيين يتوجّه قاووق؟ هل للمتمسّكين بالدولة وعناصرها «اقليم وشعب وحكومة»؟ أم للّذين قرّروا التخلّي عن هذه العناصر القانونية والدستورية واستبدالها بالثلاثية غير المنصوص عنها في الدستور؟ في كلتا الحالتين، إن «حزب الله» لم يحقق الإنقسام في المجتمع اللبناني فحسب بل تعدّاه الى النظام والدولة والإقليم، ما يمسّ في ذلك في جوهر تكوين الدول.

من جهته، يعتبر نائب الأمين العام لـ «حزب الله» الشيخ نعيم قاسم أن «التكفيريين لا علاقة لهم بالمذاهب الإسلامية ولا يتحمّل مسؤوليتهم أتباع أي مذهب في لبنان».. لا بدّ أن يُثار الكلام الطائفي في مثل هذه المواقف، وبالعربي الفصيح، ليس للتكفير مذهب ولا طائفة ولا ديانة، فـ «حزب الله» وحده يتحمّل مسؤولية ظهور «التكفير»، طبعا ليس هناك ما يربط السنّة كمذهب بالتكفير، كما ليس هناك ما يربط الشيعة كمذهب بقتال السنّة في سوريا! لو سمّيت الأشياء بأسمائها لتحمّل كل طرف مسؤوليته، فالفعل يستجلب رد الفعل بفعل أكثر إجراما منه.

ويجاري عضو كتلة «الوفاء للمقاومة» النائب نواف الموسوي زملاءه في الحزب باعتبار أن «المشروع التكفيري يتهدد لبنان وجيشه ومقاومته»، في حين جرّ تهوّر «حزب الله» لبنان الى عمق الخطر السوري مثبتا عقم نظريات «حزب الله» الإستراتيجية. فالمشروع التكفيري لم يكن ليطأ حدود لبنان لولا أن مسبّبي التكفير هذا فرضوا إرادتهم بترك الحدود سائبة لدخولهم إلى سوريا وخروجهم منها مع أسلحة حربية حجمها لا يقارن يحجم سكين. نال «حزب الله» ما أراده بالتجوال على هواه من دون أن يسلم من خطر انفتاح الحدود وانتفاخ حجمه وامتداح دوره!

إن خطر «حزب الله» يهدّد وجود لبنان اولا وأخيرا. هذا ما تعنيه الثلاثية المشؤومة، ومشاركته في الحرب السورية تجعل منه مشاركا في قرار الحكم السوري وعنصرا أساسيا من النظام الديكتاتوري الإستفتائي القابض على الشعب، سالبا الدولة اللبنانية ميزة قرارها أو بالأحرى تفرّدها بالقرار، كونها دولة تحكم شعبها وتسيطر على كامل إقليمها.

ليس في الأمر ما يخجل. ليس هناك ما يرغم «حزب الله»، لو كان سيّد قراره، على أن يختبئ وراء إصبعه، أو أن يكون كالنعامة التي تطمر رأسها بالرمال. فكلّما تراجع «زخم» أصحاب الواجب الجهادي اخترعوا ما يشعر مؤيّديهم ومقاتليهم بأنهم يحتاجون إليهم لدرء خطر ما.. ليس بالضرورة أن يكون معروف المصدر.

إن أفضل ما يمكن لـ «حزب الله» أن يقدّمه للشعبين اللبناني والسوري هو انسحابه من سوريا.. فيتم الإفراج عن عناصر الجيش وقوى الأمن المخطوفين، فيكون لبنان عندها بمنأى عن الخطر السوري، فيترك ما في سوريا لسوريا ويعود مواطنا لبنانيا خاضعا للدولة. حبّذا لو انسحب «حزب الله» من الحرب السورية.. لكن قرارا كهذا يحتاج الى جرأة تفوق جرأة الإنخراط في الحرب!