IMLebanon

عندما يُحيل حزب الله «الشيطان الأكبر».. على التقاعد

بصرف النظر عن تأثير الإتفاق النووي الموقّع بين إيران والدول الست بقيادة الولايات المتحدة، على مستقبل «حزب الله»، من المؤكد أن مرحلة جديدة سيخوضها الحزب يُمكن أن يبني عليها نوعيّة الخطاب الذي سيعتمده من الآن وصاعداً أقلّه أمام جمهور زرع في عقله ثقافة حرق الاعلام وتحديدا علم أميركا «الشيطان الأكبر» في كل مناسبة وإطلاق شعارات «الموت لأمريكا» والتظاهر أمام سفارتها، يُضاف اليها دعوات المقاطعة لبضائعها عبر فتاوى تحريم كانت تنتهي مع إنتهاء أسباب إطلاقها.

لم تكن قد مضت ساعات قليلة على إعلان توقيع الإتفاق، حتى بدأت الأنظار تتجه إلى «حزب الله» لترسم علامات إستفهام حول مُستقبله في ظل المستجدات التي طرأت على الملف بعد سنوات من المد والجزر تأرجح الحزب خلالها على خيوط «اللعبة» الدولية قبل أن يُظهر نفسه في موقع المنتصر من خلال توزيعه «البقلاوة» الممارسة العلنية الثانية الأحب إلى قلوب عناصر الحزب بعد ممارسة إطلاق الرصاص والقذائف الصاروخية في الهواء تعبيراً عن أحزانهم وأفراحهم.

عن أي «شيطان» سيُحدّث «حزب الله» جمهوره بعد اليوم، وعلم أي بلد سيكون ضحية المناسبات والإحتفالات بالنصر؟ لكن لا خوف على قيادة الحزب في هذا الأمر وهي القادرة على «شيطنة» أي عدو يُمكن ان يقف في وجه المشروع الذي تنتمي اليه، فها هو الحرس الثوري في إيران سبقها قبل اسبوعين من الإتفاق النووي، في استبدال شعار «الموت لأمريكا» بشعار ينادي بالموت لبلد عربي قرر أن يوقف المد الإيراني في المنطقة. فهل يلجأ «عُمدة« الضاحية الجنوبية قريباً إلى إصدار قرار يُغازل فيه «عمدة« طهران الذي قرر التخلي عن الملصقات واللوحات الإعلانية التي تُشيطن أميركا؟

إجماع عدد من اللبنانيين على أنه ما زال من المبكر الحديث عن تغيّرات قد تطرأ على خطاب «حزب الله» بعد الإتفاق المذكور أو على سلوكه السياسي لجهة تعاطيه مع بيئته أو شركائه في الوطن، تقابله شكوك في إمكانية بقاء الحزب على وتيرة العداء نفسها التي رافقته منذ نشأته تجاه أميركا، إضافة إلى إستحالة إعتماده الخطاب التحريضي نفسه الذي كان يُزيّن مناسبات وخطابات قياداته ويؤدي إلى تأجيج جمهوره وبث الحماسة فيه على وقع شعار «الموت لأمريكا»، «الموت لإسرائيل».

الأستاذة في قسم علم النفس في الجامعة اللبنانية الدكتورة منى فياض تعتبر أن «المنطقة في سباق تسلح نووي، ونحن في المرحلة المقبلة سنكون بإنتظار المزاج الإيراني لنعرف كيف يمكن ان تسير الأمور بعد الإتفاق. لكن مع هذا، لا أعتقد أن تغيّراً أو تطوّراً سيطرأ على خطابات «حزب الله» ما عدا الشق المتعلق بإسرائيل، وهنا أتحدث عن الخطاب فقط، لأنه يبدو أن هناك مؤشراً مستقبلياً يدل على رؤية موحدة بينهما هي «محاربة الإرهاب»، خصوصاً وأن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو هو الأقل قبولاً بالإتفاق النووي بين إيران وأميركا».

وتقول فياض إن «خطاب إيران أو حزب الله، لن يُكشف عن زيفه إلّا في حال حصول أمر ما على الارض، وسنرى منذ الآن، إذا كان هناك حدث ما سيحصل مع اسرائيل مثل حرب أو اشتباكات محدودة. كما اعتقد أن خطاب الحزب المقبل، سيكون تحت عنوان النصر وكسر إسرائيل اقله في العلن، وليس بالضرورة أن تبقى أميركا الشيطان الاكبر في خطابات الحزب رغم أنه لا مشكلة لديها مع أوصاف كهذه. وقد يتضمن الإتفاق تهدئة بين الحزب وأميركا وهذا امر وارد أيضاً».

وعن الإحراج الذي يُمكن أن يتسبّب به الإتفاق داخل بيئة «حزب الله» خصوصاً وأن هناك آلاف الشهداء الذين سقطوا تحت شعار محاربة أميركا وإسرائيل، تعتبر فياض أن» جزءا من بيئة الحزب سيعتبر نفسه منتصرا، وآخر قد يعتبر أنه دفع من دمه مقابل هذا الإتفاق. لكن المشكلة الاكبر هي أن الجزء الأكبر يشعر بأنه إيراني وليس لبنانياً أو عربياً نتيجة عملية غسل العقول المستمرة منذ ثلاثين عاما».

وبرأيها أن «الحزب قلق على وضعه رغم أنه هو من سمح لإيران بالوصول إلى هذه التسوية، فمن دونه لما امتلكت إيران كل هذا النفوذ في المنطقة ولما كانت تمكنت من تحقيق هذه النتائج. اما في الداخل اللبناني، فسيبحث الحزب عن أيديولوجيا جديدة في طريقة تعاطيه مع باقي الأطراف، والخطاب اصلا جاهز منذ هذه اللحظة وهو، أنه لم يكن راضياً عن الحرب في سوريا، لكنه كان مضطرا للدفاع عن نفسه وبأنه مع الاعتدال ومع الحكومة وحل مسألة الفراغ الرئاسي».

الصحافي علي الأمين يعتبر من جهته أنه «من المبكر الحديث عن إنعكاسات الإتفاق لأنه يحتاج لوقت طويل حتى تتبلور الصورة أو وجهته». لكنه يعتقد أن هناك مرحلة جديدة على حد قول رئيس مجلس النواب نبيه بري «ما قبل الإتفاق لن يكون كما بعده». ويرى أن «الإتفاق يُدخل إيران بمرحلة جديدة عنوانها الإنتقال من العداء الإيديولوجي والبنية التي كانت قائمة على مواجهة الاستكبار العالمي والشيطان الاكبر وغيرها من الشعارات، إلى مرحلة اكثر تطوراً. على سبيل المثال، إذا كانت في مرحلة سابقة إختارت نموذج رئيس لجنة الإرتباط والتنسيق في «حزب الله» وفيق صفا كرجل أمني، فهي غدا ستبحث عن نموذج رجل أعمال؟«.

ويُتابع: «قد يكون للحزب دور من الخلف بقيادة أميركا وإيران في مشروع محاربة الإرهاب، وهنا يبرز السكوت وعدم الإعتراض الغربي على تدخله في سوريا، وسيُلاحظ لاحقاً مدى التخفيف من ضغطه على اسرائيل بعدما يكون قد انتقل إلى مهام اخرى. لكن من المؤسف أنه لا توجد عقلانية كبيرة داخل البيئة الشيعية وتحديدا بيئة الحزب في ما خص التوجه الإيراني الجديد لأن عملية الولاء والعصبية أصبحت هي الاساس، والحزب مستمر في تخويف جماعاته للقبض عليهم واخضاعهم».

وينهي حديثه: «يجب ألا نُعطي حزب الله في موضوع الإتفاق النووي أكثر من حجمه، هو يقول إنه اداة إيرانية وقائده الخامنئي، وعندما يقول الوليّ الفقيه ان الإتفاق جيّد، على الحزب أن يُصفّق له، اذ لا يجوز له بقناعته وعقيدته وتربيته أن يُخالف الوليّ ورأيه ولو كان يذبح الحزب، وإلا فالخروج عن الطاعة الدينية يؤدي إلى النار والحزب لا يجرؤ حتى على مخالفة كهذه».

رئيس مركز «أمم» للأبحاث والتوثيق في لبنان لقمان سليم يقول: «إن ربط التأثير على حزب الله في توقيع الإتفاق النووي، فيه مغالطة كبيرة، لأننا رأينا كيف تغض أميركا النظر منذ سنوات طويلة عن سلوك الحزب نيابة عن إيران في سوريا. ليس الإتفاق هو الذي سيأتي بجديد، بل هو إستكمال لحالة تفاهم إيراني – أميركي بشأن لبنان»، مشيراً إلى أن «حزب الله ليس حرا في أي قرار يتخذه ولا حتى في اي سكنة أو كلمة يقولها. سلوك الحزب لن يكون إلا إنعكاساً للمصالح الإيرانية، بمعنى ان يكون الإيراني في موقع التفاوض ويطلق العنان للحزب في لبنان أو أي ذراع له في مكان آخر ليتصرّف على هواه من تحت الطاولة».

ويشير إلى «أننا كلبنانيين يُمكن أن يؤثّر سلوك الحزب كثيرا علينا، ولكن لا يمكن الإعتداد به إلّأ كجزء من الأدوات الإيرانية سواء كانت أدوات نثر الورد والأرز كما رأينا بإعلام الحزب، أو أدوات تُهدّد وتُصعّد وتشتم وتخوّن«، موضحاً أن «أميركا لم تعد الشيطان الاكبر في نظر الحزب تحديدا منذ غارة القنيطرة التي سقط فيها جهاد مغنية، يومها لم يهتف جمهوره بشعار الموت لأمريكا على تلفزيون المنار سوى مرة واحدة«.

بدوره يرى عضو هيئة التنسيق في «تجمع لبنان المدني» الدكتور حارث سليمان أن «حزب الله يُشكّل إتجاهاً داخل إيران مع الحرس الثوري الإيراني، ففي اللغة ليس من الضرورة أن تبقى شعارات الحزب على حالها وليس من الضرورة ان تختفي، فالسياسة الفعلية لإيران يقودها «الوليّ الفقيه» والحزب جزء من هذه الولاية بإعتراف نصرالله نفسه»، مشيراً إلى أن «الإتفاق أحرج الحزب لأنه لا ينتمي إلى المدرسة التي تقول إن إيران جزء من العالم، بل هو مرتبط بجهاز الحرس الثوري الذي يدعو إلى حرب مفتوحة، ولكن هذا لا يعني أن الحزب لن يتكيّف مع وضعه الجديد في حال أمر الخامنئي بذلك».

ويقول: « عناصر حزب الله الذين ماتوا، كانوا يظنون أنهم سيدخلون الجنة، لكن عمليا هم ماتوا لأجل المشروع الإيراني. الحال هو اليوم أن إيران تسترد ملياراتها من الغرب بينما الأمهات الشيعيات في لبنان يسترددن جثث ابنائهن من سوريا».