يُجمع كل من يسمع خطابات قادة «حزب الله» من رأس الهرم إلى القاعدة، وما يُرافقها من كلام مُسيء بحق الدول العربية بين فترة واخرى، على أن كل هذه الأحاديث التي تحمل بين سطورها افتراءات واضحة كعين الشمس، ما هي إلّا اعلان افلاس سياسي يعيشه الحزب وجماعاته في لبنان، نتيجة التخبط الذي يعانونه في أكثر من مكان وموقع، وذلك نتيجة توحّد الجهود العربية من أجل محاربة المد الفارسي في المنطقة والذي يُعتبر الحزب أحد أهم اذرعه، وهو ما يظهر بشكل واضح في الدول التي أغرقت فيها ايران نفسها وأغرقت معها حلفاءها.
أن تعيش في منطقة يُسيطر عليها «حزب الله»، فأنت حُكماً و»شرعاً» تخضع لوصاية من نوع فريد في البلد يقوم على ازدواجية التعاطي مع الأحداث الراهنة في الداخل والخارج، ومُلزم اتباع التوجهات والإرشادات التي تخرج عن دائرة القرارين الأمني والسياسي اللذين يخرجان مطبخاً واحداً أعطى نفسه الحق أو حصريّة تسيير شؤون القاطنين الذين تسري عليهم شروط الاذعان وتطبيق القرارات تحت عنوان «التكليف الشرعي» والتي كان آخرها تكليفهم بوجوب مراقبة «الانتحاريين» الذين ينوون تفجير أنفسهم بين الناس.
الوضع في الضاحية الجنوبية اليوم هو نفسه مُنذ أن تم وضعها تحت «انتداب» حزب الله، اذ لا شيء جديداً سوى نوعية «الفرمانات» التي يتم اطلاعهم عليها بين الحين والآخر وآخرها دعوتهم الى التنبّه من تفجيرات انتحارية يُمكن أن تقوم جهات «تكفيرية» بتنفيذها داخل المناطق التي يُسيطر عليها الحزب وتحديداً بين التجمعات في الأسواق العامة أو على أبواب المدارس أو داخل باصات للنقل، وكأن هموم الناس اليوميّة لا تكفيهم، لتُضاف اليها مهمات إضافية كتحوّلهم إلى رجال أمن تحسّباً من موت طارئ قد يُنهي حياتهم بطريقة مأسوية من دون التعرّف على جثثهم لاحقا بعد ان تتبعثر أشلائهم على غرار التفجيرات السابقة.
من الطبيعي أن يُحاول «حزب الله» اليوم، إلهاء أبناء بيئته وجمهوره ببعض المعلومات التي يقف هو وراءها لحرف أنظارهم عن الخسارات المتلاحقة التي يتكبدها في سوريا وعن التقهقر الذي يُعانيه حُلفاؤه في اليمن، وعن وقوفه وراء تعطيل الانتخابات الرئاسية في لبنان، فهذا هو الحزب وهذه هي طريقة ذر الرماد في العيون التي ينتهجها منذ ان انقلب على أعقابه. وفي ضوء محاولات التعمية التي يقوم بها، ثمة في مناطق نفوذ الحزب من يتساءل عن نهاية الطريق التي سلكها «حزب الله» في سوريا، مع العلم أن النقاشات الجانبية بين الجمهور حول فرضية الإنسحاب من هناك قد توقفت هي الأخرى بعد اليأس الذي دخل قلوبهم، لكنهم يتمنون لو تتوقف الحرب عند هذا الحد بدل أن تتضاعف مساحات المقابر في الضاحية والقرى.
خلال مرحلة التفجيرات السابقة، كان «حزب الله» وزّع مجموعة ارشادات ونصائح لسكان الضاحية الجنوبية، دعاهم من خلالها إلى الإبلاغ عن أي جسم مشبوه أو حركة مشبوهة، ويومها أجرى الحزب «بروفات» استباقية داخل بعض المدارس والمستشفيات، حاكى من خلالها فرضية حصول تفجيرات إنتحارية وفرضية أو كيفيّة التعاطي معها. اليوم يعود «حزب الله» إلى النغمة ذاتها، لكن هذه المرّة لدواعٍ أمنيّة اختار هو توقيتها. عناصره الأمنية تتوزّع بين البيوت والمؤسسات لتنشر الرعب الخفي في القلوب بعد اقناع أصحابها بـ»الحجّة» أن المنطقة أي الضاحية مُهددة، أمّا الإجابة عن سبب عودة الإستهداف فهي جاهزة وحاضرة في جعبة هؤلاء العناصر وهي أن الجماعات «التكفيرية» أصبحت مُحاصرة بشكل كامل في سوريا وعند الحدود، ولذلك سوف تحاول فك الطوق عنها من خلال تفجيرات إنتحارية هنا وهناك.
من عادة الضاحية الجنوبية أن تقاوم جراحها، فهذا ما سبق وأظهرته بعد حرب تموز العام 2006 وبعد التفجيرات الإنتحارية التي كانت استهدفتها والتي راح ضحيتها العشرات من أبنائها من كافة الأعمار، لكن يبدو أن هناك من يُحاول اليوم زرع الخوف مُجدداً في قلوب أهلها وجعلهم يتلهّون عن الموت في الخارج بقشور كيفيّة اتباع الإرشادات للبقاء على قيد الحياة في الداخل، ومع هذا، لا شيء يُخيفهم سوى نظرات الخوف في عيون أطفالهم والتي تولّد في غالب الأحيان أسئلة في نفوسهم «لماذا نحن؟ وماذا فعلنا لهم؟. في الضاحية الجنوبية تتلخص الحياة على ألسنة الأهالي بجملة واحدة: استقرار يرافقه خوف من مجهول قد نراه وقد لا نراه.