كعادته، لم يجد الأمين العام لـ «حزب الله» السيد حسن نصرالله، سوى الإستقرار في البلد والعلاقات الأخوية التي تجمع لبنان مع دول شقيقة، ليوجه من خلالها الرسائل الإيرانية في المنطقة، فكان أن ثبّت بأن وجود حزبه في لبنان واحتلاله لمناطق سوريّة، ما هو إلاّ منصّة صواريخ تُستعمل فقط من أجل تخريب البلد وترهيب اللبنانيين. وأهم ما فعله نصرالله في إطلالته الأخيرة، أنه حاول توجيه رسالة واضحة للعهد الجديد برئاسة العماد ميشال عون، مفادها أن الأمن والإستقرار لا يُمكن أن يتحقّقا إلّا من «خلالنا» وأن علاقات لبنان بالدول القريبة والبعيدة، نحن الذين نحددها بحسب رؤيتنا ومصالحنا.
نصرالله وخلال حفل أحياه «حزب الله» تحت شعار «سادة النصر»، جدد استهدافه لدول عربية لها في كل بيت لبناني وعلى كل ارض لبنانية، بصمة خير وفعل يتجانس مع الأصول وحسن الجوار التي تدعو اليها هذه الدول، فكان أن صوّب سهاماً ملتوية، باتجاه كل من المملكة العربية السعودية والبحرين، كجزاء لهما على إستعادة ثقتهما بلبنان مجدداً، وقرارهما بإعادة بناء العلاقات الجيّدة مع العهد الجديد إنطلاقاً من نيّة ثابتة هدفها فتح صفحة جديدة، ومنح لبنان شرعية إقليمية تؤكد أنه يرفض سياسة المحاور أو أقلّه تفضيله لمحور على آخر تماماً كما كان يُمنّي «حزب الله» نفسه ومعه ايران والنظام السوري.
بعدما أدخل الرعب إلى قلوب اللبنانيين مُجدداً من خلال «لعبة» التهديد والوعيد التي يتقنها والتي عاد وانفرد بها، وذلك عندما توّعد بضرب مفاعل «ديمونا» الإسرائيلية، وبعدما استعاد نغمة الإستفزازات والعزف على إيقاع الإتهامات بحق المملكة العربية السعودية من خلال اتهامها بتبنّي «مشروع» تنظيم «داعش»، حاول نصرالله استدرار عطف العهد الجديد بكلام «منمّق» قال فيه «إن ما تمثله المقاومة من قوة وما تمثله بيئة المقاومة من احتضان هو عنصر أساسي الى جانب الجيش، والموقف الثابت والراسخ لرئيس الجمهورية العماد ميشال عون أن هذه البيئة مستعدة لأعلى مستويات التضحية، عوامل تردع اسرائيل اليوم وفي المستقبل عن شن حرب».
ليس العجب أن يسير «حزب الله» عكس المنطق أو على نقيض التفاهمات والتسويات القائمة سواء في الداخل او في ما يتعلق بعلاقات لبنان بجيرانه، بل العجب أو الذهول، هو أن يكون طرفاً أساسياً في تهدئة الأجواء ولاعباً بارزاً على عامل النأي بنفسه والبلد، عن المخاطر التي تُحيط بنا من الجوانب كافة والأهم، الحفاظ على علاقات الجوار ومبادلة «الحسنة» بأحسن منها أو بمثلها على الأقل.
في ظل الوضع الإيراني المُبهم هذه الفترة وتحديداً في ما خص الوضع في سوريا واللقاءات والمؤتمرات التي تجري بين النظام السوري وفصائل المعارضة المسلحة برعاية روسية ـ تركية وشبه إيرانية بالإضافة إلى التصنيف الأميركي لـ «الحرس الثوري الإيراني» بالإرهابي ومثله «حزب الله»، صدر قرار إيراني أوّل من أمس إلى قيادة الحزب، قضى بتوتير الأجواء في المنطقة وإحداث حالة من الرعب في نفوس اللبنانيين بشكل رئيسي وإشعال فتيل الفتنة بين لبنان العائم على شحنات من الأمل والإنتعاش في ظل العهد الجديد، وبين دول عربيّة سعى الرئيس ميشال عون جاهداً، إلى إستعادة ثقتها وفتح باب العلاقات الأخوية معها من جديد، بعد انقطاع طويل كان سببه سياسات وممارسات «حزب الله».
في ظل التهدئة والإجماع القائم بين مكوّنات البلد وفي ظل سعي العهد الجديد إلى تكريس الإستقرار الأمني والإجتماعي والإقتصادي وهو ما بدأ فعلاً بالإنعكاس إيجاباً في نفوس كل اللبنانيين الذين كلّلوا إنتظارهم وصبرهم بعد فترة طويلة من الفراغ، بإنجاز كبير أوصلهم إلى تثبيت رئاسة جمهوريتهم وتشكيل حكومتهم، حاول نصرالله، ضرب كل هذه الإنجازات وتعكير الصفو العام، بكلام يُعتبر غير مسؤول وما كان يجب ان يصدر عن شخصيّة من المفترض أن جزءاً من اللبنانيين وتحديداً من هم من بيئة حزبه، يعوّلون عليها من أجل تمتين وتحصين الساحة الداخلية والتنبّه من عدم الإنزلاق في المجهول. لكن وكما في كل مرّة يكون فيها لبنان ذاهباً نحو تثبيت عامل الإستقرار والأمان، يقوم الحزب بنسف الجهود وتعكير الأجواء سواء قولاً أو ممارسة، وهذه «طاولات الحوار» وحكومة «الوحدة الوطنية» بالإضافة إلى السابع من أيّار و«تموز» 2006، أهم شواهد على انقلابات «حزب الله» وإخراجه البلد عن سكة السلامة واستجلابه الحروب والويلات للبنان واللبنانيين.
عبارات تخوينية وتحريضية وتهجمية، لا ينفك «حزب الله» عن إطلاقها عشوائيّاً كما هو حال رصاصه «الطائش» وصواريخه «العمياء» التي تُصيب المدنيين في سوريا، وفي كلتا الحالتين، المتضرر هو استقرار لبنان بالدرجة الاولى ومستقبل شعبه. عبارات يتم اطلاقها في مواقع مُختلفة ومن «منصّات» متعددة، مرّة تحت عنوان أو إدعاء الحرص على البلد ومؤسساته، ومرّات لتجنّب الفوضى والتقاتل في الداخل والخارج. علماً، أنه وبمجرّد استعادة عقارب الزمن، يتبيّن أن الحزب قد ارتكب مئات المحرّمات والمعصيات بحق لبنان وعلاقاته مع الدول ومنها العربية على وجه الخصوص، وفي كل مرّة يتبيّن أيضاً، أن أسباب هذا التصويب، تعود للمآزق التي يُوقع بها الإيراني «حزب الله».
من المؤكد ان خطاب نصرالله أمس الأوّل، يقوم على النظرية التالية: معاناة جمهور «حزب الله» بعد ست سنوات من القتل والغربة، كان لا بد وأن توجد لها «مسكّنات» ولو مؤقتة، علّها تُنسيهم آباء وأبناء وأشقّاء، كانوا بالأمس بينهم، فكانت الإطلالة بمثابة جرعة أمل جديدة لإستعادة الثقة مجدداً ومنحه ترخيصاً جديداً يبيح له فتح جبهات جديدة تحت مسمى «الواجب الجهادي» وحماية «المقدسات». ويا ليت دماء أطفال سوريا والعراق وآمال الشعب اللبناني المعقودة على العهد الجديد للخروج من أزماته، تكون لها حصّة من تباكي «حزب الله» على اليمن.