ما يجري على الأرض من بيروت الى بغداد مروراً بدمشق وعواصم المنطقة لا يوحي بأنّ آلية تطبيق توصيات قمة الرياض الموسّعة قد وُضعت. فقبل التفرّغ للمراحل التطبيقية غرقت عواصم الخليج في ما ظهر من خلافات بينية استراتيجية كانت مطمورة. ولم تشهد الساحتان السورية واليمنية الملتهبتان أيَّ حدث عسكري يغيّر من واقع الأمور. وهو ما دفع الى التريّث قبل إطلاق الأحكام على مصير هذه القرارات؟
بمعزل عما أظهره اللبنانيون من قدرة على استيعاب تداعيات الزلزال الذي أحدثه «إعلان الرياض» والبيان الختامي للقمة الأميركية – الخليجية – الإسلامية ووقف الكلام عنها على اكثر من مستوى لا يعني أنّ المنطقة قد تجاوزتها وأنّ مقررات القمة ستبقى حبراً على ورق.
فكل التقارير الديبلوماسية الواردة من عواصم القرار تلاقت في مضمونها مع التقارير الإستخبارية على الدعوة الى التريّث أياماً عدة. فإدارة الرئيس الأميركي كانت تجول معه قبل عودته الى البيت البيض. ولذلك فإنّ بداية الأسبوع الجاري ستكون حافلة بالترتيبات التي ستعلن عنها الإدارة الأميركية والرياض لترجمة هذه المقررات على المسارَين العسكري والإقتصادي.
وقبل الدخول في «حقل التوقعات» ظهرت في جزء من هذه التقارير إشارات واضحة الى أنّ مجموعة الإتفاقات التي عقدت بين واشنطن والرياض هي جزء لا يتجزّأ من سلة مقررات القمة ومحفّزة لها.
وإنّ ما تناوله الرئيس دونالد ترامب في زيارته الى تل ابيب وبيت لحم والقمم التي عقدت في بروكسل وصقلية شكل امتداداً عملياً لقمم الرياض السعودية ـ الأميركية والأميركية ـ الخليجية وتلك الموسّعة وشكّل مناسبة ليبحث الأميركيون في الآليات التي تخدم ترجمتها الفعلية ورسم الحدود الدنيا والقصوى لما يمكن القيام به على المستويات الإقليمية والدولية.
وقبل استباق التطورات المنتظرة، وفي انتظار معرفة المراحل التنفيذية لا بد من الوقوف عند بعض المحطات التي قدمت المؤشرات السلبية على الإيجابية منها حول إمكان ترجمة بعض القرارات التي صدرت إن على مستوى توحيد الدول والقوى التي اجتمعت في الرياض على قرار واحد لتطبيق ما تقرّر تنفيذه بالإضافة الى ما سُمّي بالمواجهة المفتوحة مع طهران، او تلك الخاصة بتشكيل القوة العسكرية الضاربة من 34 الف ضابط وجندي للتدخل في المناطق التي تشهد أزمات ساخنة وهي متعددة في جهات العالمَين العربي والإسلامي الأربعة.
ولكلّ مسار قراءة ديبلوماسية وعسكرية مختلفة عن الأخرى، ويمكن الفصل في وضوح بين قضايا الخليج العربي وبقية الأزمات العربية والإسلامية. فالحلف الذي قادته السعودية منذ بدء عملية «عاصفة الحزم» في حرب اليمن لم يهتزّ بفعل هذه الخلافات، لا بل إنّ مقررات القمة أعطت زخماً للعمليات العسكرية في اليمن الخاصرة الخليجية الجنوبية – الشرقية لدول مجلس التعاون وأعطت ضوءاً أخضر لملك البحرين للمضي في إجراءاته الداخلية بغطاء خليجي وسعودي وأميركي.
وفي ظلّ الإجماع حول هذه القراءة لملفَّي اليمن والبحرين فقد ظهر عكسه بما يتعلق بالوضع في سوريا. ومرد ذلك الى تعدد الأسباب وأبرزها تلك المتصلة بطبيعة النزاع وحدّته والتدخلات الكبرى إقليمياً ودولياً، وهو ما فرض إجراء قراءة متأنّية لما يمكن القيام به وتوفير الإجماع حول بعض الخطوات إذا ما أعطيت الريادة للمملكة العربية السعودية دون غيرها من القوى الإسلامية المتدخّلة فيها.
ومن هذه النقطة بالذات، تُجمع التقارير على الإشارة الى أنّ ما تقرّر لا يمكن أن يضع تركيا وقطر على الأقل الى جانب السعودية في نظرتها الى حجم مخاطر التدخل الإيراني في سوريا. فللدولتين أعداء آخرون يلعبون أدواراً كبيرة على الساحة السورية لا يمكن تجاهلها أو الإستخفاف بها.
وأيّاً كانت الضغوط السعودية والأميركية لا يمكنها حسم شكل المواجهة التي يمكن أن تُخاض من خلالها المعركة في سوريا لإنهاء النفوذ الإيراني، فدونه «فيتو» دولي أكبر بوقوف موسكو وبكين الى جانب النظام في المواجهة الشاملة على الأراضي السورية ولا يمكن توفير الأدوات والقدرات الكافية لحسم النزاع بالسهولة التي رسمتها مقرّرات القمم.
لكن ذلك، ووفق تقرير دبلوماسي، لن يحول دون قدرة الأميركيين ومعهم حلفاءهم في الحلف الدولي وبريطانيا على محاصرة الوجود الإيراني في سوريا وعزله عن الساحة العراقية كمدخل الى التغييرات التي يمكن تحقيقها لاحقاً.
ورغم العقبات التي تحول دون الحسم في سوريا فإنّ التقارير الواردة من الشرق السوري ومنطقة البادية تحديداً وصولاً الى دير الزور، لم تُشر الى أيّ تقدّم حاسم لقوات النظام وحلفائه للتواصل مع الساحة العراقية، لوجود حواجز وعوائق كبيرة تمنع تغيير المعادلة قريباً متى انطلقت العمليات المتوقّعة لقطع طريق بغداد ـ دمشق نهائياً أمام هذه القوات وهو المتغيّر الوحيد المتوقَّع.
فمنطقة الشمال السوري عرضة لكثير من المفاجآت إذا استمرت انقرة في مخططاتها للجم الإنتشار الكردي في المنطقة وصولاً الى الرقة ودير الزور وإدلب ورفض معظم العراقيين الإمتثال للمشاريع الهادفة الى تقليص دور الحشد الشعبي وحلفاء إيران وانتشارهم.
ولا تغفل التقارير الديبلوماسية والعسكرية إمكان إسراع المحور الروسي – التركي – الإيراني الى رسم حدود «مناطق وقف التصعيد» في الشمال السوري ما يعوق المخططات الأميركية على رغم الحديث عن عدم إقتناع أميركي في إمكان إقامة هذه المناطق وتحقيق وقف نار شامل لتحقيقها ما يعطي واشنطن الوقت الكافي لتغيير هذه المخططات أو تجميدها الى وقت لاحق.
وفي انتظار الجديد من واشنطن والرياض حول آلية تنفيذ مقرّرات القمة فإنّ تشكيل القوة الإسلامية الضاربة يواجه عوائق كبيرة نتيجة رفض عدد من الدول المشاركة فيها.