يعترف اللبنانيّون دائماً وبتندّر أنّ وطنهم ليس مستقلاً، وبالرّغم من هذا يتحفزّون وطنياً احتفاءً بهذا العيد، أورثنا أهلنا أوزار الاستقلال الأوّل وجدنا أنفسنا وسط دوّامات عربيّة انفجرت في وجوهنا حروباً واحتلالات، بالكاد ولد الاستقلال الأوّل ووقعت على أم رأس اللبنانيّين تبعات كلّ نكبة فلسطين، أرجحته «حبال» العرب الذائبة تارةً بوهم «العروبة» وتارة بوهم «القضيّة الفلسطينيّة» وتارات بكارثة «اتفاق القاهرة» وتكريس لبنان جبهة مفتوحه يشن منها الفلسطينيّون هجماتهم وأحايين كثيرة يشنونها عليها، «تشنشط» اللبنانيّون عبر تواريخ لمحطات عديدة من الـ1948 إلى الـ1958 إلى 1969 إلى الـ1973 ثم انفجرت الحرب عليهم وبهم في الـ1975 وصولاً إلى الـ1982.
توالت الاحتلالات على لبنان، لطالما ارتفعت صور «القيادات» المحتلّة من جمال عبدالنّاصر إلى أبو عمّار (ياسر عرفات) إلى صور الأسديْن الأب والابن، تماماً مثلما ارتفعت صور الخميني والخامنئي، بالكاد صدّقنا أن الحرب توقفت باتفاق الطائف عام 1990، وظللنا نرزح تحت الاحتلال السوري الذي أمعن في التنكيل باللبنانيّين ما بين سجن ونفي وترهيب واعتقال واختفاء وإخفاء واغتيال وقيل لنا يومها ان اتفاق الطّائف جاءنا بالجمهوريّة الثانية، ولكن.
خمسة عشر عاماً توقّفت فيها المدافع ولم ينتهِ فيها الاحتلال، حتى الدّولة كانت مستسلمة للاحتلال حكمت به ومن خلاله، حتى دوّى ذلك الانفجار ظهر الاثنين 14 شباط العام 2005، بعد أيام قليلة في 8 آذار ارتفع صوت الاحتلال الآتي لكسر إرادة اللبنانيين، ومع أنّ اللبنانيّين ردّوا بعد أيام على إصبع وصوت الاحتلال الإيراني الذي رفعه في وجوههم يومذاك أمين عام حزب الله حسن نصرالله كان ردّهم صاعقاً في 14 آذار، فخرج الاحتلال السوري من الباب في 26 نيسان الـ2005، ودخل الاحتلال الإيراني من الشبّاك، ولكن.
صحيح أنّنا لم نفرح بالاستقلال الثاني، تماماً مثل الاستقلال الأول، البلد مخطوف منذ العام 2006 ولا يزال رهينة الاحتلال الإيراني المقنّع بقناع حزب الله وميليشياه وتأكيد هذا الاحتلال لا يحتاج إلى أدلّه، فأدلّته «منّو وفيه»، ستة أشهر ولبنان من دون حكومة يسير البلد على «السبحانيّة»، وقد يستمرّ الأمر ستّة أشهر أخرى ما دام حزب الله يريد أن يحكم ويتحكّم بالتوزير ومن يمثّل السُنّة ومن لا يمثّلهم، مشهد حضور رئيس الحكومة المكلّف عرض الاستقلال صبيحة اليوم جاء على طريق «يا ربّ السترة» فالرئيس المكلّف ورئيس حكومة تصريف الأعمال شخص واحد، وإلا لشاهد اللبنانيّون رئيسيْ حكومة يتصدّران المشهد!
أي استقلال لوطن له في كلّ حقبة طائفة ترهن قراره للاحتلالات، من أن تتعلّم الطوائف من تجارب بعضها البعض، وأيّ استقلال نجلس فيه صبيحة اليوم على آرائكنا نتابع العرض العسكري للجيش اللبناني، ونحن نعلم علم اليقين أن ترسانة حزب الله وصواريخه أكبر وأكثر بكثير من سلاح الجيش اللبناني، خصوصاً أنّه قدّم عروضه العسكريّة في سوريا، أيّ استقلال لأيّ وطن؟!
خمسة وسبعون عاماً على استقلال وطن يخرج من احتلال إلى احتلال، وبالرّغم من كلّ هذه الاحتلالات يتطلّع اللبنانيّون إلى يوم سيجيء معه الاستقلال الثالث وسيطردون فيه الاحتلال الإيراني، وهم يعرفون جيّداً أنّ الاحتلال مهما كان عاتياً فهو إلى زوال مهما طال الزّمن…