IMLebanon

عندما يصبح الحرام حلالاً

ارتفع عدد الولايات في أميركا التي تشرّع تناول المخدرات الماريغوانا وحشيشة الكيف – الى 32 ولاية. والحبل على الجرار. يعكس هذا التشريع مدى تحوّل المجتمع الأميركي والآثار الاجتماعية المترتبة عليه.

في عام 1919 أقرّ الكونغرس الأميركي بمجلسيه الشيوخ والنواب المادة 18 من الدستور التي تحرم انتاج وتناول الخمور. جاء القرار استجابة لطلب الكنائس الانجيلية. حتى ان رئيس جامعة هارفرد في ذلك الوقت الدكتور تشارلز اليوت وصف «المشروبات الكحولية بأنها تهدد بتدمير العنصر الأبيض في الولايات المتحدة«.

ومن خلال منع الكحول على خلفية دينية، حاولت الكنيسة مع الدولة – صياغة الرأي العام بما يتماهى مع المبادئ والتعاليم الانجيلية. وقد تطلّب ذلك ازالة المعامل التي كانت تنتج الخمور، وإقفال الحانات التي كانت تقدمها للناس. ادى ذلك الى أمرين كما تذكر أستاذة التاريخ في جامعة هارفرد ليزا ماك غير في كتاب جديد لها عنوانه: «الحرب على الكحول: المنع.. وقيام الدولة الأميركية». 

الأمر الأول هو انتقال عمليات انتاج الخمور سراً الى المنازل. 

والأمر الثاني هو رواج التجارة السرية للخمور، مما ادى الى قيام عصابات الانتاج والتهريب.. ولعل أبرزها كانت عصابة آل كابوني» الشهيرة.

اضطرت الدولة في تلك الفترة الى انشاء أجهزة حكومية بوليسية للمراقبة والمصادرة.. والى بناء السجون لتنفيذ العقوبات. وتولّد عن ذلك ردات فعل احتجاجية ورافضة للإجراء القمعي الجديد. في ذلك الوقت، تولى المهاجرون الجدد من الألمان والبولونيين الذين اعتادوا تناول الخمور في بلادهم، قيادة عمليات الاحتجاج.

عرف المرشح لرئاسة الجمهورية خلال معركة انتخابات (1924) آل سميث كيف يوظف نقمة هؤلاء في دعم حملته الانتخابية. وكاد يصل فعلاً الى البيت الابيض (وكان من الحزب الديمقراطي).

كان الأميركيون السود (الذين يتحدرون من اصول افريقية) مؤيدين للحزب الجمهوري باعتباره حزب الرئيس لينكولن محرّر العبيد. الا ان تأييد الحركة العنصرية المتطرفة (ك.ك.ك.) من الأميركيين البيض الانكلوساكسون وتأييدها لمنع انتاج وتناول الخمور حملهم على التخلي عن الحزب والانضمام الى الحزب الديمقراطي الذي التزم مرشحه للرئاسة برفع المنع.

كان آل سميث مسيحياً كاثوليكياً. وكان أول كاثوليكي يترشح للرئاسة (الكاثوليكي الأول الذي وصل الى الرئاسة هو جون كندي، وكان الرئيس الوحيد حتى الآن). الا ان الحظ لم يحالفه بفارق ضئيل. ادى فشله الى تسعير الاحتجاج ضد المنع حتى رفع بعد ذلك.

وخلال هذه الفترة ظهر زعيمان أميركيان توليا الرئاسة في ما بعد هما ودرو ويلسون وفرانكلين روزفلت. وكان ظهورهما على خلفية مقاربة موضوع المنع «بعقل انفتاحي» وليبرالي.. ترك بصماته فيما بعد على المجتمع الأميركي وعلى علاقة الدولة به وعلاقته بها.

فالمنع أدى الى زيادة عدد السجون، والى زيادة عدد رجال الأمن، والى انشاء مؤسسات أمنية جديدة كان منها مكتب التحقيقات (حول تداول الخمور) الذي كان النواة الأولى للـ»أف.بي.آي.«، مؤسسة الاستخبارات المحلية اليوم.

وخلال العام الأول من رئاسته قال الرئيس روزفلت: «الآن يجب علينا أن نفعل شيئاً بشأن البيرة». فكان رفع الحظر الكلي عن صناعة وتناول الخمور في عام 1933، أي بعد 13 عاماً على فرض الحظر.

الآن تسلك الولايات المتحدة الطريق ذاته بالنسبة للمخدرات. فالولايات الـ(32) التي رفعت الحظر عن استخدامها واجهت معارضات من الكنائس الانجيلية، تماماً كما حدث بالنسبة للخمور.. الا ان هذه المعارضات كانت ضعيفة الأثر.. الأمر الذي يشجع ولايات اخرى على الاقتداء بها. ويعتقد مؤيدو رفع الحظر ان ذلك يقضي على التهريب وعلى التجارة السوداء وما يرافقها من عمليات اجرامية.

وهكذا اصبحت زراعة الماريغوانا، زراعة حرة في العديد من الولايات الأميركية.. حتى انها تزرع في حدائق البيوت.. تماماً كما يزرع «القات» في حدائق بيوت بعض أهل اليمن والصومال وأثيوبيا.. وتباع الماريغوانا كما تباع السجائر – في المحلات التجارية.. تماماً كما يباع «القات» في أسواق صنعاء ومقديشو وأديس ابابا..

ليس كثيراً على من يشرّع الشذوذ الجنسي وزواج المثليين أن يشرع تناول المخدرات، بحجة ان ذلك هو حق من حقوق الانسان!!