يحلو للمتندرين في التيار الوطني الحر تشبيه خيار اللجوء الى الشارع الذي اتخذه التيار العوني والذي يواجه اعتراضاً سياسياً وانتقادات من القوى المتخاصمة معه بحالة مريض السرطان الذي يمنعون عنه «السيجارة التي تقتل» وتجلب الامراض فيما هو قد يواجه المصير المحتوم ولم يعد لديه ما يخسره. هذا الشتبيه يلجأ اليه العونيون في تبرير احتكامهم الى الشارع بعدما سدّت كل المنافذ والخيارات الاخرى امامهم وبعدما بات واضحاً ان التيار معه زعيم الرابية لم يعد لديهما ما يخسرونه في هذه المعركة.
في روزنامة العونيين، فان ما بعد يوم الخميس لا يشبه ما قبله، وان جلسة مجلس الوزراء الاخيرة غيّرت الكثير من المعطيات وبدّلت الحسابات العونية في طريقة التعاطي مع الامور من جراء التعاطي السلبي لرئيس الحكومة تمام سلام في ملف الصادرات الزراعية ومع كل الملفات والمطالب العونية، وما يريده التيار ووزراؤه ونوابه في تكتل الاصلاح والتغيير، وبالتالي فان التيار الذي هادن سابقاً واعطى فرص كثيرة للمعالجات السياسية والتروي وجد ان خيارات التهدئة والسكوت عن حقوقه الملغاة لم يعد يجدي وبالتالي يفترض رفع الصوت والمنازلة بكل الوسائل المتاحة، وعليه فان السكوت عن تعطيل الانتخابات الرئاسية وتعيين خلف لقائد الجيش لم يعد مدرجاً في اجندة التيار الذي يرفض تهميش المسيحيين وهدر حقوقهم الواحد تلو الآخر، فالمسألة صارت وجودية وتتعلق بحماية المسيحيين في ظل الهجمة التكفيرية على المنطقة والخطر الذي يطال المسيحيين في قرى عكار وزغرتا والشمال اللبناني في ظل تغييب الرئيس الماروني القادر على ضبط الوضع الى حد ما ودرء الخطر عن الجمهورية.
واذا كان توصيف اللجوء الى الشارع بنظر معارضي الرابية انتحار سياسي، فان هذه النظرية سوف تثبت صحتها او عدم صوابيتها بعد يوم الخميس، وان الاحراج بنظر العونيين سيصيب كل المراهنين على تحجيم وضرب عون وان الحكومة التي أزعجتها واحرجتها تظاهرات اهالي العسكريين المحتجزين لدى «النصرة» و«داعش» سوف «تغرق» وتسقط بالضربات القاضية التي سيسددها التيار في ملعبها خصوصاً ان رئيس الحكومة كما يقول العونيون لم يصدق ان خيار التظاهرات جدي وانه سيكون بهذا الحجم، فتظاهرة 23 كانون الثاني 2007 لا تزال حاضرة بقوة، وفيها نزل العونيون الى الشارع بدون مساندة الحلفاء في المناطق المسيحية ضد سياسة التفرد بحكم البلاد للرئيس فؤاد السنيورة اما اليوم فالمعطيات تبدّلت اكثر، فالخصم المسيحي الاكبر في الماضي سمير جعجع وبعد ورقة النوايا والتفاهم الذي جرى مع معراب على طيّ صفحة الماضي ومواجهة التهميش المسيحي ومحاولات الالغاء لم يعد جعجع نفسه الذي لا يخشى «داعش» والمقتنع بان المسيحيين في افضل احوالهم لبنانياً، وجعجع يتبنى الكثير من شعارات عون لجهة مطالبته بجدول اعمال واضح في مجلس النواب في الدورة الاستثنائية وبقانون الانتخاب واستعادة الجنيسة لجعلهما في اولوية جدول الاعمال.
وفي كل الاحوال اذا كان جعجع لن يكون شريكاً في التحرك العوني، الا انه لن يبادر الى معاكسة التيار كما فعل في تظاهر 23 كانون الثاني 2007. وعليه فان موقف القوات عامل مريح للتيار، اما الحلفاء في حزب الله والمردة فحدث ولا حرج، فصحيح ان حزب الله منغمس في معاركه الكبرى في السلسلة الشرقية وفي سوريا وبامنه الذاتي في الضاحية وبعض المناطق الحساسة الا ان الحزب لن يقبل استغيابه لضرب حليفه المسيحي القوي الذي امن له مقومات الصمود الداخلي ولجماهيره الطمأنينة المسيحية في حرب تموز وحماية ظهره الخلفي عندما كان يخوض الحرب من الداخل الذي كان يسعى الى ضرب معنوياته.
وبالتالي فان ترجمة ذلك في حسابات العونيين، ان حزب الله لن يسمح باستهداف عون وهو لا يزال يصر رغم كل الضغوط والحرب التي تخاض عليه على دعم وصول عون الى بعبدا وكل مطالبه المتعلقة بالكرسي الاولى او التعيينات الامنية وغيرها «رد جميل ووفاء» للتيار الذي وقف الى جانبه في احلك الظروف.
اذاً فالتظاهرة تأمن لها كل الدعم السياسي من الحلفاء وحتى الكتائب والقوات لا يبدو انهم في عداد المعترضين بقوة على التحرك العوني الذي يحصل بعنوان استعادة حقوق المسيحيين، لان وقوفهما ضده يعني تأليب الشارع المسيحي عليهما والقوات لن تقبل تكرار سيناريو القانون الارثوذكسي، ولا القيادة الكتائبية الجديدة في وارد ان تخطو خطواتها الاولى ضعيفة وغير واثقة وعكس الخيارات المسيحية الكبرى.
فالمواجهة ستكون مع التيار الازرق بالدرجة الاولى بموازاة رئيس الحكومة تمام سلام الذي ضرب بعرض الحائط بكل التفاهمات السياسية التي نشأت عليها حكومة الشراكة الوطنية من اجل ارضاء جهات معينة، وتيار المستقبل المتهم من قبل العونيين بمصادرة القرار العوني والحقوق المسيحية في مضبطة اتهامهم.
في الاجتماعات العونية، التي تحصل تمهيداً ليوم التحرك كل الاحتمالات مطروحة. التوقيفات وحصول مواجهات قاسية وعنيفة ربما واعتقالات وكان الخيار لا رجوع عنه والاتكال في التحرك هو قبل كل شيء على الذات العونية وليس على الحلفاء او على التيارات المسيحية الاخرى، فلا شيء ملح ومطلوب من الحلفاء في هذه المرحلة لجهة المشاركة او النزول الى الشارع الآن.