السويداء بين الشراكة مع المقاومة والحياد
متى يُنهي جنبلاط رهانه على «النصرة»؟
يقارن أحد المنزعجين من تعاطي وليد جنبلاط مع مجزرة إدلب بين البيان الذي أصدره «الحزب التقدمي الاشتراكي» والبيان الذي أصدره سمير جعجع، سائلاً «هل يعقل أن يكون موقف جعجع أقوى من موقف جنبلاط الذي اكتفى بالاستنكار مبتعداً عن أصل المشكلة، مقابل صب غضبه على «مضخمي الحادثة». لم يعترف جنبلاط حتى بوقوع مجزرة بالرغم من كل الأخبار المستقاة مباشرة من قرية «قلب لوز»، وصولأً إلى حد تسويق ما حدث كحادث فردي «تطور إلى إشكال شارك فيه بعض الأهالي وأدى إلى إطلاق نار أوقع عدداً من الشهداء». هذا حدود الموضوع بالنسبة لجنبلاط، فيما وصف جعجع ما حصل بالإجرام، معتبراً أن الجريمة غير مقبولة بكل المقاييس.
الأكيد أن جنبلاط في ورطة. فهو يضطر إلى مغازلة مجموعة إرهابية لا يجمعه معها سوى العداء للنظام السوري، عله يحفظ أهل ملته ويحميهم من النار التي يستشعر حرارتها منذ زمن. نسج خيوطاً مع بعض مفاتيح «النصرة» وداعميها الإقليميين. وكان أول من حمل لواء «النصرة ليست إرهابية». كما سعى إلى كسب ود قياداتها في القلمون، ربطاً بملف العسكريين المخطوفين، وأكمل دائماً على منوال التمييز بينها وبين «داعش». باختصار، وبالنسبة له، كان الهدف يقضي بتشكيل شبكة أمان للسوريين الدروز. وربطاً بأماكن توزع أبناء الطائفة على الخريطة السورية، وجد أنه لا بد من مهادنة الدروز لمحيطهم السني، حيث النفوذ المعارض هو الغالب.
عملياً، أثبت تطور الأحداث أن خوف جنبلاط كان في محله، وما كان مستبعداً منذ سنة صار أمراً واقعاً اليوم. ليس سقوط إدلب ومحاصرة القرى الدرزية، التي فر معظم أبنائها، هو الخطر. أبواب أكبر مدينة درزية في العالم صارت مهددة أيضاً من الشرق والجنوب، أي من «داعش» وتحالف المعارضة، بما فيه «النصرة». وإذا كان جنبلاط مطمئناً من ناحية «الجيش السوري الحر»، فهو يعرف أن خنجر «النصرة» يكاد يلامس ظهر السويداء. وعليه، بالتالي، التعامل مع فرع «تنظيم القاعدة» في سوريا بحكمة، وبما يحول دون تحريك الخنجر. وبالفعل، سعى جنبلاط سريعاً لاحتواء «النصرة»، إن من خلال التصريحات الموزونة، والداعمة أحياناً، أو من خلال تسخير شبكة علاقاته في الخليج وتركيا والأردن.
وقعت الواقعة في إدلب، ويعرف جنبلاط أنها ليست الأولى. وبالرغم من سعيه إلى تخفيف وطأتها، كما سعى مع سابقاتها، إلا أن حجم المجزرة بدا أكبر من أن يخفى. وهذا يعني عملياً فشل جنبلاط في أمرين مترابطين: الأول حماية الدروز، وهو الهدف المعلن الأساسي. والثاني الرهان على كسب ود الجماعات المتشددة. في هذا الرهان تحديداً يتباعد جنبلاط عن أقرانه من القيادات الدرزية. وإذا كان الجميع متفقاً على تشخيص المشكلة، إلا أن الحل الذي اعتمده جنبلاط، ويتمسك به على ما يبدو، أثبت فشله. أما أبرز أسباب الفشل، فهو أنه فات جنبلاط التمييز بين السياسي والديني. سعى إلى شبكة أمان سياسية وفاته أن المشكلة دينية وليست سياسية. كيف لجماعة تكفّر الدروز أن تعود عن تكفيرهم؟ وبالتالي، فاته أن أي التزام يستطيع جنبلاط أن يحصل عليه من الفصائل المتشددة، ويكون دون الإعلان أن الدروز ليسوا كفاراً، لا يعول عليه، ولن يؤدي إلى حماية الطائفة.
ما العمل إذاً، وما هي الخيارات المتاحة؟
ما يزال جنبلاط يرى أن لا بديل من مناصرة المعارضة، لحماية الدروز، فيما الدروز أنفسهم في السويداء، بدأوا يجدون في التسلح للدفاع عن أنفسهم أمراً حتمياً. وبالرغم من أن بعضهم ما يزال يراهن على العلاقات التاريخية مع أهالي درعا الذين يرفضون اللعب بالنار مع جيرانهم، إلا أن أحداً لا يمكنه ترسيم حدود الخطر الجنوبي، وكيف سيتطور تبعاً لخريطة صراع المعارضة مع الجيش السوري.
وبعيداً عن العقائد المتصارعة، هل يعقل أن تتخلى المعارضة عن قتال السويداء، قبل أن تشهر ولاءها لها أو على الأقل الحياد؟ علماً أن الحياد قد يكون أحد الخيارات الأكثر تأييداً داخل المحافظة، بما يؤدي عملياً إلى تحويلها إلى إدارة محلية شبيهة بالقامشلي. ولكن ذلك، يتطلب أولاً وأخيراً موافقة النظام وانسحابه منها، فهل لديه المصلحة في ترك خط الدفاع الأخير عن دمشق؟ وهل لديه مصلحة في ترك محافظة يدين جزء كبير من أبنائها بالولاء له؟ علماً أنه حتى لو تحقق ذلك، فإن أحداً لا يمكنه التغاضي عن الخطر الآتي من ناحية الشرق، حيث يضغط «داعش» على المحافظة، وهو ما يتطلب الاستعداد له.. وبالتالي التسلح.
«التسلح هو الخيار الوحيد أمام الدروز»، قال وئام وهاب. وبمعنى آخر، أوضح أن المطلوب الشراكة مع المقاومة. وهو لذلك، لا يتردد في دعوة جنبلاط والنائب طلال إرسلان والنائب السابق فيصل الداود والقوميين إلى تشكيل وفد مشترك لزيارة السيد حسن نصر الله، طلباً لهذه الشراكة. علماً أن استعداد الدروز للدفاع عن مناطقهم، حيث يحكى عن وجود نحو 80 ألف مقاتل في السويداء، يفترض أولاً وأخيراً تقديم الجيش السوري للسلاح الثقيل لهم وعدم الاكتفاء بالسلاح الفردي الذي يوزع على «قوات الدفاع الوطني» و «الدفاع الشعبي».
جنبلاط ليس بوارد الدخول بحلف كهذا، بالرغم من أنه لا يملك، حتى الآن، جواباً على الهواجس الدرزية، سوى التأكيد على «المصالحة مع أهل درعا والجوار». فهل تكفي هذه المصالحة لدرء الخطر عن الدروز؟ أم أن ثمة من يراهن على خط أحمر إقليمي اسمه السويداء؟