متى يكون اللقاء بين الأمين العام والزعيم الدرزي؟
“لا مانع لدينا من أن نواجه وحدنا” غرّد رئيس “الحزب التقدمي الاشتراكي” وليد جنبلاط أمس، غارفاً من مدرسة كمال جنبلاط “إن الحياة انتصار للأقوياء في نفوسهم لا للضعفاء”، وذكّر من “كانت قدراتكم في تزوير التاريخ والإرهاب والاعتقال والقمع” أنه “مرّت ظروف أصعب وأقسى علينا”.
وحده بات يغرّد جنبلاط، لا حليف أو رفيق درب بالمعنى العتيق للكلمة. يتلقف الإعلام تغريداته وتبدأ مرحلة حلّ الألغاز. يوم غادر “14 آذار” أبلغ “حزب الله” أنه غادر ليكون حرّاً وقد هالته يومها حملة التخوين التي سيقت بحقه. مسافات صارت تفصل الزعيم الدرزي عن أفرقاء سياسيين كانوا حتى الأمس القريب حلفاء ورفاق نضال، قبل أن تفرّقهم عنه مصالحهم.
شكلت تظاهرة “الاشتراكي” قبل أيام مؤشراً الى واقع حال “الحزب التقدمي الاشتراكي”، في زمن تبدّلت فيه مفاهيم التقدمية والاشتراكية واختلت فيه موازين القوى المحلية كما الإقليمية والدولية. نزل وحيداً إلى الشارع، وزّع رسائله وانسحب، الرسالة الأكبر كانت موجهة للعهد الذي تجمعه به مسيرة من الخصومة تبدأ مع انتخاب الرئيس ميشال عون ولا تنتهي بالخلافات مع جبران باسيل.
يختزن “الاشتراكي” جردة حساب طويلة، لكن ما الذي يمكن قوله مثلاً عن رئيس الحكومة الذي يعقد تحالفاً مع باسيل يحوّله إلى رهينة مقتضيات “التسوية” المعقودة بين الجانبين، وليس الوضع مع “القوات اللبنانية” أفضل حالاً بعدما ارتكب الحكيم “فاولاً” في السياسة يوم دخل في التسوية الرئاسية، ويوم ظنّ أنه يمون على العهد وعلى الحريري في الحكومة. وباتت نظرة “القوات” للأمور تتلاقى بشكل موضعي مع نظرة “الاشتراكي” حول موقفهما المشترك من العهد وباسيل، وضمن هذا الإطار اندرجت مشاركة النائب السابق انطوان زهرا في تظاهرة “الاشتراكي”.
فمن بقي لـ”الاشتراكي” من حلفاء في المرحلة الراهنة؟ مضمون الجواب هنا ليس مهماً… “أصلاً في لبنان لم يعد هناك تحالفات، بل مجرد تبادل مصالح”.
وحده رئيس مجلس النواب لا يضيّع بوصلة التحالف مع زعيم المختارة، العلاقة معه ثابتة، حرص بري عليه كحرصه على نفسه. وهذا ما تجسّد فعلياً يوم اتصل بري بالوزير غازي العريضي مبلغاً إياه أن أمين عام “حزب الله” السيد حسن نصر الله فوّضه السير بالحل ليعتبر “الاشتراكي” أن المشكلة حلّت في لحظتها. وبالمقابل حرص جنبلاط على عدم إحراج بري أمام “الحزب”.
على أن العلاقة مع “حزب الله” حكاية مختلفة مع “الاشتراكي”، تكلّلت بلقاء ثنائي أوحى بأن الهدوء ساد أجواء حزبين هما أكثر حرصاً على إبقاء التواصل قائماً في ما بينهما. كلاهما يسلّم بحيثية الآخر. يعرف “حزب الله” حيثية جنبلاط وصعوبة تجاوزها وبالمقابل يسلم “الاشتراكي” بحسابات “حزب الله” الاستراتيجية والتي تتقدم على حساباته الداخلية “وإن كانت في المرحلة الراهنة لا تبرّر سكوته عن واقع انهيار البلد”.
شكلت حادثة قبرشمون بالنسبة إلى “الاشتراكي” محطة مفصلية. لا يتردّد البعض في اعتبارها موازية لحرب الجبل. في قراءة متأنية، كانت مرحلة الأربعين يوماً ثقيلة بكل ما شهدته، وأكثر ما أثار استغراب “الاشتراكي” أن يذهب “حزب الله” بعيداً إلى حد إعلان حربه على الزعيم جنبلاط.
قبل قبرشمون لم يستوعب “الاشتراكي” أن قطيعة “حزب الله” خلفيتها معمل اسمنت، وخلال أحداث قبرشمون، 40 نهاراً من الكرّ والفرّ والمفاوضات، يجزم “الاشتراكي” أنه لم يطلب أي ضمانات من الحزب وهو ما اعترف به الأخير ضمناً. وخلال المفاوضات جاء من يسأل “حزب الله” هل تريدون خصومة جنبلاط؟
وكيف لـ”الحزب” أن يلغي زعامة بهذا الثقل وقد تحملت عبء تحالف الآخرين؟ ألا يعترف بخصوصية جنبلاط ضمن واقعه الدرزي؟ وهل صدّق فعلاً أن بامكانه خلق حيثية أو صنع زعامة لغيره؟
ويوم التقى في جلسة الحوار الأولى لم يدع “الاشتراكي” نقطة إلا وفاتح “حزب الله” بشأنها. يومها سأل بري الوزير غازي العريضي الذي طلب الحديث عما جرى، “ان شاالله بدك تحكي كل شي؟”، ليجيبه الوزير المحنّك: “نعم”. فلم يدع صغيرة أو كبيرة إلا وأثارها. ولم تكن أجواء اللقاء الثنائي الأخير أقلّ مستوى من العرض السياسي لواقع الحال في البلد وما تسبّبه بعض التحالفات من ضرر، وأن “حزب الله” قد يجد نفسه خارج القدرة على التحمل أمام جمهوره. وقد لا يجد من يلتمس له عذراً على السكوت عن أمر واقع قائم على المحاصصة بين طرفين يقول “حزب الله” إنه على علم بالصفقة بينما يرى البلد ينهار أمامه.
يبرّر له “الاشتراكي” أنه حزب يتعاطى في الاستراتيجية، لا تهمه المتاهات الداخلية غير أن هذه المتاهات “من شأنها ان تغرق البلد بمن فيه خصوصاً وأننا قادمون على أوضاع أصعب من فترة الحرب. في الحرب كان هناك اقتصاد وكانت هناك سيولة بينما اليوم بات الوضع أصعب ما يكون”. ورغم كل اللقاءات التي انطلقت برعاية الرئيس بري وتلك الثنائية، يبقى السؤال يتردّد في ذهن الكثيرين متى يكون اللقاء بين الأمين العام والزعيم الدرزي؟
لم تعد العلاقة بين الطرفين متوقفة على هذا اللقاء، لأن العلاقة سالكة بالاتجاهين. يعرف نصرالله كما جنبلاط الأسباب التي تحول دون عقد مثل هذا اللقاء ويعذر كلاهما الآخر.
هل إن جنبلاط بات وحيداً فعلاً؟ هذا ما يقوله لمن حوله ويحتم عليهم قدر المواجهة لكنه حكماً لن يكون وحيداً. قد لا تكون المرحلة مرحلته، لكنه كما خرج من قبرشمون أساسياً في المعادلة المحلية الإقليمية فلن يكون وضعه مختلفاً بعدها، وإن كان قادماً على مرحلة ليست سهلة من تقديم التنازلات… أقله من أجل نجله تيمور.