IMLebanon

عندما يسقط القادة خارج أرض.. «الشهادة»

من الضاحية الجنوبية الى الجنوب فالبقاع، أخبار الموت تتوافد وتتوالى بشكل يومي عن شبّان في مقتبل العمر يسقطون خارج حدود الوطن والعقيدة فيتحوّلون الى «نجوم« موقتين بعد التداول بسيرتهم وصورهم من لسان الى لسان ومن هاتف الى آخر قبل أن يعود وهجهم وينطفئ ويصبحون مجرّد ذكرى، لتعود القصة وتتكرر لكن بأسماء وصور مُختلفة، فيعود الوجع مجدداً ليسكن قلوب عائلات وأبناء وأحبّة، وأم نذرت عمرها لقطعة من قلبها وصبرت كل تلك السنين لتراه عريساً، فإذا به يعود مُحمّلاً من بلاد تأبى منذ العام 2011، يوم بدأت الدعوات إلى «الواجب الجهادي»، أن تُرسل خبراً مفرحاً ولو من طريق الخطأ.

قُتل. لم يُقتل. علي فيّاض القائد العسكري في «حزب الله» والمعروف بـ»علاء البوسنة»، تحوّل خلال اليومين الماضيين إلى نجم مؤقت هو الآخر بعدما جرى تداول اسمه على أنه من بين الجرحى أو المفقودين في وقت كانت تتم فيه مراسم تشييعه بين اهله وأقاربه في بلدة أنصار الجنوبية، لتتوقف عندها المراسم ريثما يتم التأكد من الخبر. لكن بعد اقل من أربع وعشرين ساعة جاء الخبر اليقين أن فيّاض بالإضافة إلى عدد من عناصر الحزب، هم في عداد القتلى الذين سقطوا جميعهم في ريف حلب الجنوب الشرقي، الأمر الذي ترك إنطباعاً بين الناس حول مدى التخبط الذي يُعانيه الحزب في سوريا خصوصاً أن الرجل المشكوك بمقتله ليس عنصراً عادياً، بل أحد أبرز القياديين العسكريين والمؤسسين في صفوف «حزب الله». 

يبقى الغرق في المستنقع السوري، الهاجس الأكبر الذي يُسيطر على «حزب الله« وقيادته وقادته في المرحلة الراهنة والذي بدأ ينعكس بشكل سلبي في نفوس مقاتليه بعدما أصبح الموت صفة يومية تلازمهم في حياتهم على الجبهات الغريبة، والسؤال عن جدوى تواجد هؤلاء في سوريا، لم يعد يُجدي نفعاً في اوساط القيادة منذ مقولة «مستعدون للتضحية بثلث الطائفة من أجل ان يعيش البقية بكرامة». وما العناصر الأربعة الذين وصلت جثامينهم مساء أمس من سوريا إلى مستشفى بهمن في الضاحية الجنوبية، سوى مؤشر واضح على أن قافلة السقوط مستمرة وأن الإنسياق وراء الأجندة الإيرانية مستمر هو الآخر من لبنان إلى سوريا واليمن فالعراق ودائماً تحت شعار «يا قدس اننا قادمون».

بين جمهور «حزب الله»، يتناقل بين الحين والأخر مقاطع فيديو عبر الهواتف لعدد من الشبان وهم يدلون بوصاياهم الأخيرة من داخل الأراضي السورية. يوجه هؤلاء رسالتهم الأخيرة إلى أمهاتهم وأقاربهم قبل ساعات من انتقالهم إلى جبهات الموت. بعضهم ينشد «الشهادة» وبعضهم الآخر يتوعد «التكفيريين» بشر هزيمة، فتتحقق الأنشودة الاولى، بينما تبقى الأخرى مجرد أمنية على الهواتف. في هذه اللحظات الأليمة تستعيد الذاكرة شريطاً مصوراً لأربعة عناصر كانوا ينشدون «الجنة» منذ أشهر قليلة من خلال أغنية «وداعا أمي.. وداعا أمي» قبل أن ينقطع التصوير بشكل مُفاجئ ليتم في اليوم التالي نعي الأصدقاء الأربعة دفعة واحدة بعد إصابة موقعهم في ريف دمشق بصاروخ موجّه من بعد.

ضربات مؤلمة يتلقّاها «حزب الله« في ظل غياب التنسيق بين وحداته وقيادته العسكرية وبين جيش النظام الذي بات يتّكل في حربه بشكل أكبر على غارات طائراته الحربية والمروحية. هذا ما يتداول به في مناطق الحزب. ومن المؤكد أن قيادة «حزب الله« تسير اليوم على منهج يقوم على طبيعة التأقلم مع الموت، مُستعيدة من التاريخ عبارات وشعارات نسجتها عقول بشريّة خدمة لمشاريع القتل من خلال روايات يُقتل أبطالها في سبيل «القضيّة«، وسوريا اليوم أصبحت هي القضية، ولهذا تحوّلت كل مجالس الحزب في مناطق نفوذه إلى حلقات وعظ وكلمات أشبه بالمُخدّر تُثمّن وتعُظّم معنى الاستشهاد« هناك. لكن خشية القيادة هي أن تستفيق البيئة ذات يوم على حالها وان تُدرك بأن «الشهادة» لا تصح ولا تقوم من خلال مواجهة الفقراء والمظلومين وأن العزة والكرامة لا تكونان بقتل أهالي «الزبداني» ولا «مضايا» ولا في غيرهما من القرى والبلدات في سوريا، إنما فقط في فلسطين المحتلة وعند الحدود اللبنانية – الاسرائيلية.

أمس كان القائد العسكري فياض (علاء البوسنة) حديث بيئة «حزب الله». كم تمنى هؤلاء أن يكون خبر مقتله مجرد إشاعة، فهم العالمون بسيرة هذا الرجل الذي أنهك العدو الإسرائيلي لسنوات طويلة في جنوب لبنان مع مجموعة من أمثاله. تعددت الروايات حوله وكل طرف تناولها بحسب معلوماته «الخاصة»، لكن الكل أجمع على أن «علاء البوسنة» هو من بين مجموعة قادة ساهموا بشكل كبير في تحرير الجنوب قبل أن تنقلهم قيادتهم إلى سوريا حيث قُتل منهم هناك ما لا يقل عن مئتي قائد. والمفارقة أن الجميع توافقوا على سؤال واحد «إلى متى مقتل القادة في سوريا؟».