أن يخرج كلام عن التحرير ومكافحة الإرهاب وترسيخ السلام والإستقرار عن لسان زعيم أو رئيس مسؤول أمام وطنه وشعبه، لهو أمر طبيعي يُمكن أن يتقبله عقل ويؤمن به قلب أي إنسان قد تعرّض للظلم والقتل والقهر والإستبداد، أمّا أن يخرج عن «جزّار» مثل بشّار الأسد، فهو أمر يدعو إلى الإستغراب والإستنكار والإمتعاض خصوصاً وأن بصمات إجرامه الناتجة عن البراميل المتفجرة والموت تعذيباً وجوعاً في الزنازين التي تعج بالشيوخ والنساء والأطفال، ما زالت تشهد عليه في كل منزل وبلدة وقرية في سوريا.
أمس، أشار «جزار سوريا» أمام مجلس الشعب المُنتخب «تعييناً« إلى أن «حربنا ضد الإرهاب مستمرة ليس لأننا نهوى الحروب فهم من فرض الحرب علينا لكن سفك الدماء لن ينتهي حتى نقتلع الإرهاب من جذوره أينما وجد ومهما ألبس من أقنعة»، مضيفاً: «كما حررنا تدمر وقبلها الكثير من المناطق، سنحرر كل شبر من سوريا من أيديهم فلا خيار أمامنا سوى الانتصار«.
المشكلة في الأسد، كما في حلفائه، أنهم يعشقون الروايات البوليسية التي تنتهي دوماً بإنتصار الشرطي وسوق المجرم إلى العدالة. لكنه يتجاهل حقيقة واضحة لا لبس فيها، أنه في واقع الحياة لا في الروايات، يُصبح هو المجرم والقاتل والذي من المفترض أن يُساق مع حلفائه إلى السجون لتقتص العدالة الدولية والإنسانية منهم، بعد عمليات الإجرام والإبادة التي ما زالوا يرتكبونها بحق السوريين وليس آخرها ما يجري في حلب وريفها حيث لا مجال لحصر أعداد الشهداء الأبرياء الذين يتساقطون هناك من جرّاء الغارات التي تشنّها عليهم طائرات النظام في كل لحظة وفي كل حي، وبعدها يخرج «المجرم« من وكره ليتحدث عن تحرير المدينة.
تحدث الأسد عن حرب اجتمعت فيها معظم الدول على مُحاربة سوريا، لكنه لم يُشر لا من قريب ولا من بعيد إلى الدور الذي تؤديه كل من روسيا وايران و»حزب الله» والميليشيات العراقية والأفغانية هناك، ولم يُشر إلى القرى والبلدات التي تنازل عنها جيش نظامه لمصلحة حلفائه. ولم يُفسّر للمجلس الذي يُقتل شعبه كيفية تسليمه مدينة «تدمر» لتنظيم «داعش» من دون أي مقاومة ولا حتّى كيفية استرجاعها بالطريقة نفسها، ولا حتّى كلف نفسه عناء محاولة اقناع من حوله في العملية المُبهمة التي جعلته يدخل مدينة «الرقّة» عاصمة «داعش» بالسهولة هذه وبوقت لم يستغرق سوى بضعة ايّام.
وحده الرد على إدعاءات الأسد وتمويهه الحقائق، جاء على لسان الرئيس سعد الحريري الذي اشار إلى أن «بشار الأسد يريد أن يحرر سوريا من الارهاب وهو أكبر ارهابي، وانه هو من صنع داعش وأخواتها».
ولفت الحريري عبر «تويتر» الى أنه «من الطبيعي أن يشكر الأسد اسياده من ايران وحزب الله «، مشيرا الى أن «الشيء الوحيد والاكيد أن الشعب سوف ينتصر عليهم جميعاً لانه على حق«.
التماهي مع الأسد في إجرامه، ليس بعيداً عن إيران ولا عن «حزب الله»، فهذان الحليفان لم يصدر عنهما حتى اليوم اي إدانة للمجازر التي يرتكبها النظام في «حلب« و«إدلب« و«دوما«، لا بل على العكس هناك مساندة إجرامية في ريف «حلب« وفي «مضايا« و«دمشق« و»الغوطتين» الشرقية والغربية من قبل، وغيرها الكثير من المدن والمناطق التي تُستباح وتتعرض لتطهير عرقي، ما يؤكد التناغم الذي يصل الى حد التواطؤ على الشعب السوري من اجل دفعه إمّا للإستسلام وإمّا لمغادرة البلاد على غرار «القصير» و»مضايا» و»الزبداني».
ذهب الدجل بالأسد إلى حد الإعتزاز والإفتخار بـ»حجم الناخبين غير المسبوق خلال انتخابات مجلس الشعب». عن أي إنتخابات تحدث ونصف الشعب السوري مُشرّد خارج أرضه؟ أمّا في البلدان التي أقيمت فيها مسرحية الإنتخابات، فهناك الكثير من أمثال السفير السوري في لبنان يُمارسون الإرهاب النفسي ذاته بحق اللاجئين السوريين إمّا بشكل مباشر أو عن طريق الحلفاء، منها القاء القبض على معارضين مطلوبين والتحقيق معهم ومن ثم ترحيلهم الى سوريا حيث النظام السوري بإنتظارهم.
إجرام آل الأسد وخيانتهم لوطنهم وشعبهم ولعروبتهم ليس بجديد، بل تعود إلى العام 1967، يوم كان الاب وزيراً للدفاع وكان العرب في حالة حرب مع اسرائيل، يومها أصدر الأسد أوامر لجيشه بترك الأسلحة والتراجع عن الجبهة تاركاً للإسرائيليين ترسانة حربية لا يستهان بها مع عشرات القرى في جبل الشيخ، وقيل وقتها ان الترسانة التي تركها كانت تكفي لصموده أشهراً عدة. ولم يقف الأمر عند هذا الحد، بل انه عاقب الضباط والجنود الذين تأخروا في تنفيذ الانسحاب وأحالهم على المحاكم الميدانية بدل مكافأتهم. كما عمد في حينه إلى إذاعة بيان أعلن فيه سقوط القنيطرة قبل سقوطها بثمانٍ وأربعين ساعة.
في دليل واضح على همجية آل الأسد وعشقهم للكرسي وهيمنتهم على مقدرات الشعب السوري وتسخيره، تقول الكاتبة ليزا وادين في كتابها «السيطرة الغامضة«: «إن ما يبدو مهماً في حملة تعظيم شخصية حافظ الأسد أنها إستطاعت أن تحوّل الاهتمام من الحزب والسلطة إلى شخص الرئيس نفسه، فلا صورة تعلو صورته، وحتى الشعارات والأفكار والمفاهيم التي سبقته بدت من صنعه ومن لدنه«. وتضيف: بين نظامي الأب والابن تغيّرت شعارات «المقاومة« ولم يتغير محتواها، ففي عهد الأب كانت هناك شعارات «الصمود والتصدي« و«التوازن الإستراتيجي« مع إسرائيل، الذي لم يتحقق قط، فيما تميّز عهد ابنه في شعار «الممانعة».