لا أحد يريد «حرب لبنان الثالثة»، ولا مصلحة لأحد في التسبب بها. هذه هي المقاربة الإسرائيلية، التي تتردد على ألسنة المسؤولين والمعلقين في تل أبيب، وبلا انقطاع. كلا الطرفين، حزب الله ومن معه، وإسرائيل ومن معها، لا يريدان الحرب، لأنها مكلفة ومؤلمة ومدمرة والفوائد التي يمكن أن تتحقق منها، أقل بكثير من الأثمان الممكن دفعها.
لكن عدم إرادة الحرب لا يعني أنها باتت معدومة وغير واردة، أو أن القتال بمستوى ما دون الحرب بات منعدماً. لا يعني ذلك أن لا تبادر إسرائيل إلى شنّ اعتداء. وهذا ما حصل وكان يحصل في السنوات القليلة الماضية. المسألة مرتبطة بتقدير ردّ فعل الطرف الثاني: هل يردّ حزب الله على الاعتداء، أم يعمد إلى احتوائه؟ وإذا قدرت إسرائيل عدم الرد، فإنها تسارع إلى تفعيل اعتداءاتها، وإلا، فلا.
إلا أنه في حالات خاصة، قد توازن تل أبيب بين الجدوى والثمن، وإذا خلصت إلى أن الاعتداء وفائدته أعلى وأكثر جدوى من خسائر الرد والاثمان المقدر دفعها قد تبادر إلى الاعتداء. لكن حتى في هذه الحالة، سيحضر على طاولة القرار في تل أبيب سوء التقدير والحسابات الخاطئة، وحتمية الرد على الرد إذا كان مؤلماً، وما يعقبه من انجرار إلى سلسلة من الردود، من كلا الجانبين، قد تؤدي في نهاية المطاف إلى حرب، وهذا ما حصل تماماً الأربعاء الماضي، فاختارت تل أبيب الصمت واحتواء الرد.
أمس، صدر عن وزير الخارجية الإسرائيلي، أفيغدور ليبرمان، تصريح انتخابي بوصفه رئيساً لحزب «إسرائيل بيتنا» الذي ينافس الليكود على جمهور اليمين في الانتخابات الإسرائيلية المقبلة، إذ قال إن «حرب لبنان الثالثة واقعة بصورة حتمية». التصريح قُطع من سياقه ومن «فذلكته» الانتخابية، جرى تداوله مجتزأً في الإعلام العربي. إذ سبقه شرح طويل من ليبرمان عن معاني وتداعيات عدم الرد على عملية مزارع شبعا وعن سياسة التردد لصاحب القرار في تل أبيب، أي رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، ووزير الأمن موشيه يعلون، تجاه «استفزاز» حزب الله. بحسب ليبرمان، فإن سياسة التردد، من شأنها أن تجعل من «حرب لبنان الثالثة واقعة بصورة حتمية».
وكلام ليبرمان، وتخويف الإسرائيليين بالحرب المقبلة مع حزب الله، لا اللبنانيين، يعكس وقع المواقف التي أطلقها الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله، على الساحتين السياسية والعسكرية في تل أبيب، وعلى ما سمّاه ليبرمان «خضوع إسرائيل لقواعد حزب الله… إذ إن عدم الرد واحتواء العملية (في مزارع شبعا) أضرّ بقدرة الردع الإسرائيلية». وكلام ليبرمان وأفعال نتنياهو الأخيرة في أعقاب العملية، ينطويان على حقيقة مهمة جداً:
أن الوعي الجمعي للإسرائيليين يخشى من الحرب مع حزب الله، وعلى أساس هذه الخشية تتخذ المواقف والأفعال في إسرائيل. من جهة نتنياهو، الحاكم الحالي والفعلي، يعتمد سياسة احتواء عملية حزب الله منعاً للتدحرج نحو الحرب. أما ليبرمان، الساعي إلى الفوز بالانتخابات، فينتقد سياسة الاحتواء ليحذّر الإسرائيليين من أن هذه السياسة، في نهاية المطاف، ستسبب حرباً. ما يعني أن الاختلاف لا يتعلق بضرورة شنّ حرب على حزب الله، أو الامتناع عن شنها، بل الخلاف ينحصر بالطريقة التي تمنع هذه الحرب، مهما تكن هذه الطريقة. وهذا في حد ذاته إنجاز كبير جداً للحزب ولأدائه ولسلاحه الذي يخيف الإسرائيليين. وإلا فما الذي يمنع إسرائيل من شنّ عدوانها، واسعاً كان أو ضيقاً، بل يمنعها من الرد، أخيراً، على عملية المزارع؟