IMLebanon

عندما يصبح الجيش مباحاً لتدخّل الجميع!

الخارج متمسّك بـ«عدّة الشغل» القائمة في السياسة.. والعسكر

في اللحظة التي أحيل فيها قائد فوج المجوقل العميد جورج نادر الى التقاعد في أيار من العام الحالي، قيل إن ضابطا «مُستحقا» خسر فرصة فعلية في الوصول الى قيادة الجيش.

لم يكن العميد نادر وحده من ضمن نادي المرشّحين «الطبيعيين» للجلوس على كرسيّ القائد في وزارة الدفاع. معه شامل روكز قائد فوج المغاوير، وباقة من الضباط الموارنة الذين استشعروا ان الحسابات السياسية تسابقهم الى موقع يستحقون فرصة رؤيته محيّدا عن عدوى التمديد الضاربة في مقاعد مجلس النواب.

خسر نادر فرصته حتّى في بحث اسمه على طاولة مجلس الوزراء، فيما كان التمديد الاول للعماد جان قهوجي قد شارف على نهايته وبدأ الحديث التمهيدي و «التبريري» للتمديد الثاني.

وما يسري على الضباط الموارنة الكبار، انسحب على الضباط الدروز والسنّة الممتعضين من تمديد استنسابي طال اولا رئاسة الاركان ثم الامانة العامة للمجلس الاعلى للدفاع. شغور المجلس العسكري، بأعضائه الشيعة والارثوذكس والكاثوليك، تكفّل باحباط البقية.

التمديد المتكرّر في مديرية المخابرات، الذي دشّن مسلسل تأجيل التسريح، وسّع بيكار التململ. ثمّة ضباط موارنة يستحقون الموقع، لكن قيادة الجيش لم تجد نفسها يوما معنية بتوضيح أسباب بقاء العميد إدمون فاضل في موقعه على قاعدة أنه كفؤ والضابط الذي يمكن الوثوق به، والأكثر إحاطة بالملفات الامنية التي يتابعها. تعيين مدير للمخابرات يحتاج الى قرار وزير الدفاع بناء على اقتراح قائد الجيش وليس الى مجلس الوزراء، ومع ذلك بقي فاضل منذ نيسان 2013 في موقعه.

حين استُنفذ تأجيل التسريح ابتكر «التسوويون» الاستدعاء من الاحتياط. ربما قمّة «التخريب» و «اللعب» بالمؤسسة و «تكسير» المعنويات ان يشعر كل الضباط الموارنة، المؤهّلين لهذا الموقع، أنهم غير مؤهّلين له!

المتّهم الاول المسؤول عن وقف دورة التداول في المواقع القيادية كان أهل السلطة، على الارجح التزاما بايعازات خارجية. لن يكون العماد جان قهوجي، ولا اللواء وليد سلمان، ولا اللواء محمد خير بالنهاية على لائحة «الشبهات» بارتكاب المعصية. هؤلاء حين يصدر القرار السياسي بتعيين بدلاء عنهم في مجلس الوزراء يذهبون الى منازلهم بكل بساطة بعد إحالتهم الى التقاعد.

ربما انتظر البعض موقفا «بطوليا» من واحد منهم يرفض البقاء لحظة واحدة في موقعه بعد نهاية خدمته العسكرية «ولان الجيش خزّان للطاقات القادرة على تحمّل المسؤولية». لكن هذا الامر لم يحدث. عمليا يصعب تصديق أنه قد يحدث.

ضمن سياق التمديدات غير المبرّرة أتت معركة ميشال عون لوضع حد لتأجيل التسريح على مستوى قيادة الجيش والمواقع الاخرى وإجراء تعيينات في المجلس العسكري. بعد أن اعدّ ملفا بمخالفات قهوجي واتهمه بأنه مشارك في لعبة التمديد وفي استباحة القوانين، عقد اتفاق «جنتلمان» مع سعد الحريري يؤمّن وصول العميد روكز الى قيادة الجيش.

لم يطل الامر حتى اكتشف عون ان «الشيخ سعد» لم يلتزم بالاتفاق. بعدها خاض اكثر من جولة عراك لفرض إجراء تعيينات في مجلس الوزراء أسفرت عن جلستي «رفع عتب»: واحدة مهّدت للتمديد لمدير عام قوى الامن الداخلي اللواء ابراهيم بصبوص، والأخرى لتمديد ثان للعماد قهوجي. ثم دخل ميشال عون مرغما نفق التسويات: «أعطوني قيادة الجيش وخذوا حكومة ومجلسا نيابيا».

تطايرت الاقتراحات من فوق الرؤوس من دون أن تنطوي على قرار سياسي واضح بمنح عون ما يعتبره حقوقا مسلوبة يجب استرجاعها.

بدا ميشال سليمان اليوم كمن يحمل ورقة «ذهبية» بيده حوّلته الى شريك مضارب في حسابات السرايا، والى «جوكر» بيدّ بعض القوى السياسية التي تقول تحت الطاولة عكس ما تقوله فوقها. في العلن مواقف مشجّعة وداعمة للتسوية، وفي الكواليس تركيز على العدّ العكسي لاحالة العميد روكز الى التقاعد وتفنيد للحيثيات والاعتبارات التي قد تجعل من بنود الحلّ مجرّد حبر على الورق.

وفي المحصّلة تلطّى الجميع خلف سليمان والممانعين ليقول «عملنا ما علينا لكن المعطّلين أقوى منّا»!. من كان ليصدّق ان سليمان ووزراء حزب «الكتائب» واشرف ريفي يملكون قوة ايقاف جماح سعد الحريري ونبيه بري ووليد جنبلاط لارضاء عون (من كيسه طبعا) وفتح ثغرة في جدار الازمة المستعصية؟ كان المطلوب فقط عدم إعطاء المجال لعون لايصال ضابط مستحق الى موقع القيادة، يصدف أنه صهره، من ضمن سيناريو الممانعة الحديدية لسلّة مطالبه الدستورية.. وميشال سليمان كان حاضرا بقناعاته وحساباته السياسية لتنفيذ المهمّة.

كل مسار التفاوض أصلا لم يش سوى بالمماطلة والتمييع حتى خروج روكز من السلك. الاخير بقي صامتا بحكم الالتزام العسكري والشخصية التي تمقت التودّد لسياسيين لغايات ومصالح.

قَدَم اليه بعض الوسطاء الذين عملوا على خط مشروع التعيينات والترقيات واسمعوه كلاما مفاده «هناك رغبة سياسية بابقائك في السلك العسكري من ضمن مخرج قانوني، وهذا حقك. لا نريد منك شيئا، هذه مهمتنا، ونعلم انك أحد أكثر الضباط التزاما وابتعادا عن التسييس. نطلب منك فقط ان لا تعر اهتماما ولا تردّ على ما قد تسمعه من ردود فعل».

انطلاقا من خبرة عسكرية طويلة وثقة بالانجازات ومخزون الاقدميات، لم يمانع روكز بالسير باقتراح الترقيات لأنه اقتراح قانوني بالدرجة الاولى، مع العلم ان خياره الاول كان إقرار قانون رفع سن التقاعد للضباط ثلاث سنوات.

بالرغم من كل القصف السياسي الذي طال مشروع استمراره في الخدمة بعد بلوغه سن التقاعد، بقي اسم قائد فوج المغاوير، كشخص، منزّها عن كل انتقاد. حتى الخصوم يتحدّثون عن «ضحية» ظلمتها الحسابات السياسية وسوء الادارة من جانب من يفترض أنهم «يحصّلون» حقوق الضباط.

برأي متابعين للملف «ان قهوجي سجّل سابقة ومخالفة بطلب التمديد لنفسه اتاحت لاحقا استسهال الحديث عن مخارج لضباط آخرين. لكن الفارق أن ما يطالب به ميشال عون ليس الترقية فحسب، التي لم يطرحها يوما، إنما ملء شغور المجلس العسكري، وفي أقصى الحالات إما تعيين قائد جيش جديد او تشريع وضع قهوجي غير القانوني».

يجزم من واكب عون عن قرب بأن خطأه الاكبر كان معاندة تيار عام لا يخجل بالمجاهرة بأن القانون والدستور وانتخاب الرئيس القوي والاستحقاق النيابي الملزم ومعنويات ضباط المؤسسة العسكرية والامنية والتداول الطبيعي في المواقع… كل ذلك لم يكن له مكان على خريطة الترتيبات اللبنانية المواكبة للتغييرات في المنطقة برعاية مباشرة من الخارج الحريص على الاكتفاء بـ «عدّة الشغل» القائمة في السياسة.. وفي الامن والعسكر.