Site icon IMLebanon

موسكو عندما تربح

لم يمضِ وقت طويل قبل أن يتبيّن أن موسكو ربحت الجولة الأولى من كباشها السياسي مع إيران والناطق باسمها في دمشق رئيس سوريا السابق بشار الأسد، مؤكدة بذلك أنها صاحبة اليد العليا في الموضوع السوري، وإليها يعود فصل الخطاب والقرار!

ثلاثة عناوين فرعية لمعضلة رئيسية، كشفت حجم التباين بين موقفي الطرفين: وقف إطلاق النار، ومؤتمر الآستانة والحضور الأميركي فيه.. وهذه العناوين تفرّعت عن جذر خلافي أساسي واستراتيجي هو موقف موسكو بعد معركة حلب وذهاب باراك أوباما إلى البيت، القائل بردّ الاعتبار إلى «الحل السياسي» في مقابل موقف طهران وأتباعها الداعي إلى الاستمرار في المذبحة تحت وهم «الحسم العسكري».

كان تصريح وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف قبل أيام أحد أبرز دلائل وصول التباين إلى نقطة حرجة. بحيث أن احتكاره كل «الفضل» لبلاده في عدم سقوط دمشق ومعها بقايا السلطة الأسدية وداعميها، لم يكن يعني سوى تذكير الإيرانيين بـ«حجم» تأثيرهم الفعلي في مآلات النكبة السورية، وبضرورة خفض سقف مواقفهم وادعاءاتهم بما يتناسب مع ذلك التأثير وليس العكس.

قال الروس إن هناك وقفاً لإطلاق النار بعد حلب برعاية مشتركة مع الأتراك. رفض الأسد ذلك بداية، باعتباره ناطقاً باسم حماته في طهران وخرج ليقول عبر الإعلام (الفرنسي) بأن المعركة مستمرة حتى «دحر الإرهاب في كل سوريا».. ثم تلاه الإيرانيون من خلال رفضهم المشاركة في ضمان الهدنة! ثم ترجموا تمرّدهم على الأرض من خلال الهجوم على وادي بردى تحت حجة تأمين مصادر المياه إلى دمشق وأرفقوا ذلك بكلام كبير عن ممانعتهم دعوة الأميركيين للمشاركة في مؤتمر أستانا!

بين هذه المحطات السريعة، كان «التنتيع» يأخذ مداه إزاء فحوى المؤتمر المذكور. وكان علنياً ومكشوفاً القول من جانب (الإيرانيين) من خلال الأسد، بأن كل شيء مطروح على الطاولة وليس فقط ترسيخ الهدنة وآلياتها! أي الذهاب إلى محاولة الاستثمار سريعاً في «إنجاز» حلب الميداني وفرض واقع تراجعي سياسي على المعارضة، في الإجمال!

.. يوم أمس تحديداً، تبيّن مدى تهافت تلك المواقف دفعة واحدة: خرج الأسد كناطق باسم الإيرانيين ليقول إن مؤتمر الآستانة سيبحث في وقف النار، وليس متأكداً من قصة «الحوار السياسي»! ولاقته الناطقة باسم الخارجية الروسية من موسكو ماريا زاخاروفا بالتأكيد على «أن الوضع في وادي بردى يعود إلى طبيعته والهدنة صامدة في كل الأراضي السورية».. ثم توّج الوزير لافروف خطبة التهافت من خلال تأكيده أن «الملف السوري سيشكل نقطة التماس الأولى مع الإدارة الأميركية الجديدة»، مبدياً أمله في «مشاركة ممثلين عن إدارة الرئيس ترامب في مؤتمر الآستانة».. أي أن اعتراض إيران على تلك المشاركة لا يساوي أكثر من الكعكة التي تشبه الصفر!

من المبكر ربما استنتاج خلاصات من كل ذلك الحراك، لكن ليس من المبكر افتراض وجود هوّة كبيرة بين موسكو وطهران في سوريا، وهذه تتوسّع ولا تنكمش!