Site icon IMLebanon

عندما يتخطّى عداء نصرالله للسعودية.. «الموت لإسرائيل»

الأمين العام لـ»حزب الله» السيّد حسن نصرالله نفسه الذي هجّر أهالي القلمون ونكّل بأهالي «القصير» ومحا بالقصف معالم حمص القديمة واستجلب الجهاديين الشيعة من كل بقاع الأرض لقتل السوريين وحاصر وجوّع مضايا وبقين وداريا والغوطة، وهلّل لمجازر «الحشد الشعبي» المذهبية في العراق، خرج مساء أمس الأول على الشاشات بخطاب «الأخلاقيات» والمواعظ والقومية العربية والدينية.

نصرالله نفسه، الذي واجه حزبه وإعلامه كل من يقارن وحشية الأسد بوحشية إسرائيل، بتهمة الخيانة والعمالة و»التبرير للكيان الصهيوني»، بات يرى في المواجهة مع السعودية ما هو أشرف وأعظم من حرب تموز! لا بل أكثر من ذلك، يكفي أن يقول سماحته بأن «الشعب اليمني تجاوز بمظلوميته الشعب الفلسطيني» (!) حتى يكرّس في اللاوعي الجماهيري عداءً للسعودية يفوق العداء لإسرائيل! لكن لا شيء يُفاجئ في ما أعلنه السيّد من عداء للمملكة. ففي زمن الاتفاق النووي، ومخططات حليفه الروسي (الضامن لأمن إسرائيل) لتقسيم سوريا، وتأكيد رئيس منظّمة الطاقة النووية الإيرانية علي أكبر صالحي بأن «إسرائيل لا تشكّل خطراً على إيران«، يصبح البحث عن وظيفة جديدة للسلاح بعيداً عن الحدود مع فلسطين المحتلة أمراً طبيعياً.

هكذا هيّأ سماحته، منذ بداية الصراع، جمهوره على خطاب «العدو الجديد»، وصولاً الى إعلان العداء الكامل للمملكة. وفي هذا السياق وحده يمكن فهم وثيقة بوغدانوف الشهيرة، والفيديو المسرّب لنصرالله وهو يرسل رسائل تطمين لإسرائيل بأن الجنوب سيبقى هادئاً، والرسائل التي تُمرّر تحت ستار القصف العنيف من نوع «أننا لا نريد الحرب مع إسرائيل لكننا لا نخشاها»، ومن ثم كلامه عن أن «التكفيريين» يشكّلون خطراً وجودياً على شعوب المنطقة أكبر من الخطر الإسرائيلي، وصولاً الى قوله إنه «لم يواجه السعودية سابقاً لأن الصراع مع إسرائيل كان أولوية»! صيغة الـ»كان» تتيح التخمين بأن الصراع مع «الكيان الصهيوني» لم يعد أولوية، وكذلك شعار «الموت لإسرائيل»!

خطاب الساعة والدقائق الإضافية خلا من أي شيء إلا من «البروباغاندا» القائمة على مظلوميةٍ تُظهر نصرالله وحلفاءه بمظهر الحمل الوديع بمواجهة «الوحش» السعودي. خاطب سماحته جمهوره قائلاً إن «السعودية تتآمر على حزب الله منذ العام 2005». إذا كانت ادّعاءات السيّد صحيحة، فلماذا رحّب عام 2006 بمليارات السعودية لإعادة إعمار الجنوب؟ كيف يرضى «سيّد المقاومة» أن يُعاد إعمار ولو بيت واحد من أموال دولة يتّهمها بالتآمر عليه؟ كيف يرضى سماحته أن يرسل وفداً من حزبه الى السفارة السعودية عقب عدوان تموز ليشتكي تيار المستقبل والسنيورة بـ»صرف المساعدات على غير المستحقين»، وهو على قناعة بأن هذه الدولة تآمرت عليه في الحرب وما قبلها؟ ومن ثم يتّهم السعودية بالتفجيرات الإرهابية التي ضربت بغداد والعراق عام 2003. لماذا لا يعود سماحته الى تصريحات حليفه وقرّة عينه الرئيس نوري المالكي؟ يومها اتّهم «ابو إسراء» الأسد والنظام السوري بالتفجيرات الإرهابية، قائلاً «إن الإرهابيين والتكفيريين والبعثيين يتّخذون من سوريا مقراً ومنطلقاً للقيام بأعمال إجرامية داخل العراق». هكذا بالحرف. وماذا عن اتهامه السعودية بالجلوس مع إسرائيل «فوق الطاولة» وبالتحالف مع «الكيان الصهيوني» بوجه المقاومة؟ يبدو أن سماحته لم يعد من متابعي الصحافة الإسرائيلية. هل قرأ السيّد ما كشفه المراسل العسكري لصحيفة «يديعوت احرونوت» يوآف زيتون بأن «النظام السوري استخدم طائرة مسيرة إسرائيلية في حربه ضد معارضيه»؟! وذكر المراسل أيضاً أن «هذا يعني أن الطيران الإسرائيلي يساعد نظام الأسد وحلفاءه من إيران وحزب الله في الحفاظ على الأسد والانتصار على المعارضة». 

ويعتبر نصرالله أن أكثر ما يزعج السعودية هو أن «حزب الله« وقف بوجهها في زمن يتم شراء الدول مثل فرنسا وبريطانيا والإعلام والفتاوى بالمال. هل يعلم سماحته أن البرلمان الأوروبي حضّ الأسبوع الماضي دول الاتحاد الأوروبي (طبعاً في إطار المؤامرة على المقاومة والممانعة) على فرض حظر تصدير الأسلحة الى السعودية؟ هل يعلم أن الكيان الصهيوني (صديق العرب) مارس ضغوطاً على الولايات المتحدة لعرقلة حصول قطر على مقاتلات جوية من طراز «أف-15 أس إي»؟ لماذا لم يشترِ الخليج الموقف الأوروبي بأمواله؟ أم أن مليارات الاستثمارات الإيرانية في أوروبا «ما بعد النووي» بدّلت سياسة القارة العجوز؟

أن يصور نصرالله السعودية بأنها العدو الجديد، وبأن خطابه بوجه المملكة هو أشرف وأعظم من حرب تموز، فهذا قبل كل شيء يعني بداية مرحلة جديدة تُشطب فيها إسرائيل من أولويات «حزب الله« لصالح العداء للعرب. ربما كان صالحي متصالحاً مع نفسه أكثر من السيد حين أعلن أن «إسرائيل لا تشكل خطراً على إيران«. هكذا تصبح السعودية العدو الأول لإيران وأذرعها، خصوصاً بعد أن قرر من وصفهم بـ»التنابل والكسالى والفاشلين»، مواجهة إيران في المنطقة. وهكذا تتعمق وظيفة حزب الله الخارجية في الانخراط بالمزيد من حروب الولي الفقيه والإبادة المذهبية والتهجير الطائفي باسم العداء لإسرائيل وأصدقائها. وهكذا يأخذ «حزب الله« المؤسسات الدستورية رهينةً، ن «مصير لبنان مرتبط بمصير الصراع بالمنطقة»، على حد قول نصرالله!