لم تعد تحتل اسرائيل الجزء الأهم والاكبر من خطابات الامين العام لـ»حزب الله» السيد حسن نصرالله بعدما باتت تقتصر اطلالاته «الوفيرة« على توجيه الإتهامات وكيل الشتائم ونبش الأحقاد بحق دول ما زال قسم كبير من اللبنانيين يستظلون بنخيلها ويأكلون من «ثمرها» المُتعدّد من دون أن ينكروا معروفها ولا أن يتنكّروا لتاريخها المليء بالخير لبلاد لم تُعرف إلّا بالخير.
لا جديد في إطلالة نصرالله الاخيرة ولا في خطابه الإستفزازي. وحده الإفلاس السياسي والمعنوي كان حاضراً بين سطور تأرجحت عليها كلمات كانت تخرج من دون تنسيق حتّى ضاعت حروفها في هواء التهديدات لكن هذه المرّة من دون تصفيق حضور غاب بكامل صفوفه عن «حدث» وحديث سادهما الملل وحلّا ضيفين ثقيلين على مسامع الناس، لكثرة التكرار، وتحوّلت الإطلالة بأكملها إلى لزوم ما لا يلزم.
حمل نصرالله على السعودية كما لم يحمل من قبل على عدوّه السابق الإسرائيلي والذي سقط عمداً في كلامه من دون أن يأتي على ذكره لا من باب الإستعداء ولا الإستعداد. وللسيد مواقف في مدح «ذكاء» هذا العدو و»ديموقراطيته» في الكثير من خطاباته الماضية.. لكن بالأمس لم يصل للسعودية الدولة الشقيقة من بريد نصرالله سوى رسائل مشبعة بأحقاد فُرس لم يرَ العالم من «تقواهم» سوى كراهيّة للعرب وسعيهم المتواصل الى شرذمتهم وبث الكراهيّة والإنقسام في صفوفهم.
هكذا هو حال نصرالله في الخطاب الأخير حيث كان أشبه بسفير حرب مُعتمد لدولة ما صانت يوماً حق الجيرة ولم ترَ في دول جيرانها سوى مشاريع مُستقبليّة تبدأ باحتلال أراضيها ولا تنتهي بقتل شعوبها. وباختصار، يُمكن اختصار الإطلالة برسالة دعم لما تبقّى من جيش النظام السوري يقول لهم فيه اصبروا ولا تتراجعوا فنحن وإيران معكم وذلك من باب بث الروح المعنويّة بداخلهم بعد الإخفاقات التي مُني بها النظام وحلفاؤه مؤخّراً في إدلب وجسر الشغور وريف حلب وغيرها من النقاط الإستراتيجية التي سقطت بأيدي الثوار وصولا للحديث عن اقترابهم من ريف اللاذقيّة معقل آل الأسد وعاصمتهم المعنويّة والعسكريّة.
تحدث نصرالله عن «فشل» سعودي في اليمن وعن عدم تحقيق أي أهداف عسكرية من خلال «عاصفة الحزم» وتبرّع بالإفتراء على دور المملكة من خلال إدّعائه بعدم سماحها للمساعدات الإنسانيّة بالدخول إلى الشعب اليمني على الرغم من أن البعيد يعلم قبل القريب أن السعوديّة سمحت بعد أقل من اسبوع على بدء عمليّاتها العسكريّة بدخول المساعدات إلى اليمن بعدما فكّت حصارها البحري والجوي لهذا الهدف.
لكن في المقابل هل النصر باعتقاد نصرالله والحلف الذي ينتمي إليه هو ان تُدمّر القرى والبلدات فوق رؤوس سُكّانها وان يُقتل الآلاف من اهلها؟ وهل سمح هو وحلفاؤه بإدخال المساعدات الغذائيّة والطبيّة إلى مُخيّم «اليرموك» المُحاصر وإلى الغوطتين «الشرقيّة» و»الغربيّة»؟ وهل نزلت «رحمتكم» على أطفال ونساء «القصير» الذين قُتل منهم العشرات جوعاً وعطشاً يوم فرّوا عبر البساتين خوفاً من سكاكينكم؟.
في سياق خطابه حاول نصرالله الزجّ بالدولة اللبنانيّة وبالجيش في معركة يتحضّر لها حزبه على حد قوله من دون أن يُحدّد ساعة صفرها، محتفظاً بالزمان والمكان لنفسه تماما كما احتفظ بهما آل الاسد طيلة خمسين عاما من الحكم، من خلال دعوته الدولة الى تحمّل مسؤوليّاتها لكن من دون ان يُحدّد مسؤوليّات حزبه امام مُناصريه وجمهوره وبيئته وأبناء وطنه الذين يعيشون الخوف في يوميّاتهم ويحتسبون الموت في عدد خطواتهم رافضين تحويلهم إلى «إنغماسييّن» وإقحامهم في حروب لا طائل منها ولا رجاء سوى خسارة المزيد في الأبناء والآباء.
لم يفرد نصرالله مساحة واسعة لما يجري في القلمون خصوصا أن حزبه وإعلامه هما من روّجا على فترة اكثر من اسبوعين لمعركة سيخوضها هناك كان جنّد لها آلاف العناصر نصفهم من القاصرين قبل ان يُعيدهم أهاليهم إلى منازلهم ليل الإثنين الفائت بعد دخول مجموعة من الامّهات احد مراكز التدريب في بلدة النبي الشيت في البقاع لا لشيء فقط إلا لأن «حزب الله» انخرط في مقلب آخر غير الذي كان ادّعاه لنفسه على أنه مقاومة تُعنى بالنضال والقتال من أجل الحريّة، وهؤلاء الاهالي حالهم كحال من يؤكّد أن المقاومة ليست سلاحاً ولا عديداً ولا ترسانة صاروخيّة، إنما هي عدالة في القضيّة والموقف لا ان تتحوّل من قتال اسرائيل إلى قتال الشعب السوري.
بدا نصرالله من خلال ما تحدّث به وكأنه تقمّص دور «المُرشد» الاعلى، فكان مُرشداً لبقايا جيش النظام يحضّهم على الصمود ويدعوهم لعدم السماح لـ»الشائعات» من أن تنال من عزيمتهم، لكنّه لم يشرح لهم سبب دعمه اللامحدود لهم ولم يُفصح لهم عن مُخطّطات نظام قالت قياداته مؤخراً «أن العواصم العربيّة بدأت تسقط بيد «الإمبراطوريّة» الإيرانيّة الواحدة تلو الاخرى» وقد حدّدوا بيروت ودمشق وبغداد على رأس هذه العواصم. أمل السيد نصرالله خلال اطلالته على شاشة «المنار» لو انه يستطيع زفّ بُشرى سارّة يرفع من خلالها من معنويّات جمهوره لجهة ما يحصل على الارض، لكن حساباته كُلّها ضاعت بين وديان وجبال القلمون وكهوفها.