ليس الخطر الذي دقَّ الرئيس نبيه بري ناقوسه أمس جديداً، ولكن الجديد فيه أنه يصدر للمرة الاولى عن رئيس المجلس على أثر ما تبلغه من وزير المال علي حسن خليل عن فحوى محادثاته مع رئيس البنك الدولي حول الخطر الذي يتهدد قروض المؤسسة الدولية للبنان.
لم يكن ما سمعه بري من خليل جديداً. فهو سبق أن تبلغه من ممثل البنك الدولي في لبنان فريد بلحاج الذي سعى جاهدا لدى إدارته من أجل عدم إسقاط قرض سد بسري الذي انتهت مدته في الصيف، وقيمته 474 مليون دولار. فنجح في تمديد المهلة حتى نهاية كانون الاول، أملاً منه أن ينجح القادة السياسيون في تذليل العقبات من أمام جلسة تشريعية تتيح ابرام الاتفاق، وتعبِّد الطريق أمام تنفيذ المشروع، علما أن هناك ايضا مبلغ 128 مليون دولار جمّد للمشروع من البنك الاسلامي للتنمية.
صحيح أن التحذيرات من المخاطر الاقتصادية والمالية لم تتوقف، وإن تكن بوتيرة متباطئة، ولكن الجديد في التحذير الاخير لبري أنه يصدر عن أعلى سلطة دستورية في البلاد اليوم (في ظل الشغور الرئاسي). وهو يأتي كذلك بعدما جف حلق رئيس الحكومة تمام سلام وهو يطلق التحذير تلو الآخر من الانهيار المحتوم الذي تسير إليه البلاد إذا استمرت الاوضاع على ما هي من تدهور في العمل المؤسساتي في غياب رئيس للجمهورية.
وأخطر ما يرتبه موقف بري أنه يأتي نتيجة تلقي لبنان أكثر من إشارة خارجية جدية حيال الاستهتار الذي يقابل به إلتزاماته الخارجية والتحذيرات التي يتلقاها في شأن أدائه السياسي والاقتصادي. أولى هذه الاشارات من رئيس البنك الدولي الذي أبلغ وزير المال موقف المؤسسة الدولية في شأن القروض وإتجاهها نحو تحويل الأموال المقررة للبنان، والمجمدة، إلى دول في حاجة إليها وقادرة على إستعمالها.
وثانية الاشارات أتت من مجموعة العمل الدولية التي ابلغت السلطات اللبنانية أنه لا يمكن تحويل الهبات والمساعدات إذا لم تتبلور الآلية القانونية لوجهة إستعمالها.
أما ثالثة الاشارات، وربما أخطرها، فجاءت من مؤسسات التصنيف الدولية التي عمدت إحداها أخيرا إلى خفض توقعاتها حول لبنان من مستقر إلى سلبي، فيما تبلغت السلطات اللبنانية أخيرا أن لبنان موضوع تحت المجهر الدولي وأن إحتمالات خفض التصنيف باتت كبيرة جدا بما أن لبنان لم يعمد إلى إحراز أي تقدم على مستوى تأمين الاستقرار السياسي والتشريعي والاصلاحات المالية المطلوبة منه.
وإذا كان بري قد اختار الزمان والمكان (قاعة المجلس حيث عقدت جلسة انتخاب اللجان امس) لرفع الصوت أمام النواب الحاضرين بنصاب كامل، ليس لإنتخاب رئيس حتما وإنما لإبقاء القديم في توزيع المقاعد على قدمه، فذلك يعود إلى فتح الدورة العادية للمجلس النيابي التي تتيح له عقد جلسات تشريعية من دون الحاجة الى مرسوم فتح دورة إستثنائية.
كما ان مخاطر تعطل الحكومة التي باتت اليوم أكبر من أي وقت مضى في ظل العثرات التي تواجه عقد جلسة لبت ملف النفايات، تدفع رئيس المجلس إلى الضغط أكثر لعقد جلسة تشريعية قبل الوقوع في محظور إستقالة الحكومة. وتؤكد مصادر سياسية أن الضغط المزدوج الذي يمارسه بري في موضوع القروض الدولية من جهة وفي موضوع تعذر دفع الرواتب للقطاع العام من جهة أخرى، سيساعد كثيراً في تحقيق تقدم على صعيد عقد جلسة تشريعية تحت شعار “تشريع الضرورة”. وعلم أن الاتصالات تجرى حاليا على محورين: تحديد جدول الاعمال المحصور ببنود ضرورية، وإحصاء الكتل النيابية التي ستشارك في الجلسة من أجل تأمين ميثاقيتها، على اساس أن الجلسة التشريعية تتجه لأن تنعقد “بمن حضر” في ظل إعتراض بعض المكونات المسيحية الاساسية عن المشاركة ما لم يُطرح بندا قانون الانتخاب واستعادة الجنسية على جدول الاعمال.
أما على المقلب الحكومي الذي لا يزال يشهد تعثرا، فهو لم يغب عن موجة التحذيرات التي شهدتها قاعة البرلمان أمس أيضاً، وجاءت على لسان الوزير أكرم شهيب ألذي أكد أنه اذا لم يلق تعاونا وتجاوبا من القوى السياسية، فسيكون مضطراً الى ترك الملف.
وعلم ان شهيب ينتظر الساعات الـ24 المقبلة ليتسلم رداً جديدا من “حزب الله” وحركة “امل” على موقع جديد للمطمر بعدما تبين أن الموقعين اللذين تم اقتراحهما سابقاً لا يصلحان.
وعليه، فإن مجلس الوزراء مؤجل الى الاسبوع المقبل ريثما تتضح معالم ملف النفايات.