كنّا قد أشرنا إلى أنّ أيّ حكومة يجب أن يكون أكثر من نصفها ممّن يدفعون معاشات آخر كلّ شهر، منتجين غلالاً صناعة وتجارة، فكراً وفناً، المهم مَن يخلق إنتاجاً غير الكلام الفارغ الحاقد والخالي
من كلّ معنى.
لنبرهن أنّ إطلاق يد البلديات في معالجة النفايات عبر اللامركزية هو الحلّ الأمثل لحلول مستدامةلقد بات من الواجب الابتعاد عن ديوانيات السياسة ومصانع العقد النفسية والكلام الفارغ من أناس لم يتحملوا مسؤولية معاش واحد آخر الشهر، هؤلاء هم مَن يتّكل عليهم الشعب اللبناني لإيجاد حلول لمشكلة النفايات مثلاً! غريب أمرنا نجرّب المجرّب مرة بعد مرة وننتظر نتائج مختلفة! نسلّم أمرنا إلى العقول نفسها التي اوصلت أزمة النفايات الى ما هي عليه ونبكي طالبين الحلول.
نتخبّط ونتفلسف نقترح ونكتب نعلن أنفسنا خبراء ونعطي حلولاً ونحن غير قادرين حتى على فرز نفايات بيتنا الخاص. أين أصحاب نظريات صفر طمر وصفر حرق؟ أين خبراء البيئة من أكبر جريمة بيئية بحق الأبيض المتوسط؟
لنعود وإياكم وندرس سوية بواخر إنتاج الكهرباء التي تعمل على شاطئنا، هو حق أعطيناه لأصدقاء وجيران لبنان من تركيا وأخيراً الى زحلة ولكنّنا نحجب هذا الحق عن الوطن! بكلّ بساطة ومن دون كليشيهات وأحكام مسبَقة، لماذا لا نخرج ونقول إننا اليوم حاضرون لنعامل اللبناني كالتركي ونسمح لمَن يريد أن ينتج كهرباء بالشروط نفسها المطبقة على الشركات التركية أن ينتج. تنتهي كلّ مشكلة الكهرباء خلال سنة وحتماً بسعر أقل من تكلفة الإنتاج ‹الرسمي.
هنا وبكلّ احترام ومحبة (نعم محبة) أنظر الى بعض الوجوه وعقول المجتمعين لإيجاد حلول لأزمة النفايات، أتفحّص التاريخ وإنجازاتهم في العشرين سنة الأخيرة في عالم النفايات وعندها أتأكد أنّ شعبي يستحق كلّ المصائب التي نحن فيها.
الحلول وبكلّ بساطة ومن دون اللجوء الى «تفِنغات» السياسة:
١- إصدار خلال فترة لا تتعدى الاسبوعين specs لإنشاء مطامر أو محارق واضحة وصريحة وغير قابلة للجدل، بكلّ بساطة إعتماد الشروط الأوروبية ومنع أيّ موظف له علاقة بالتطبيق الاطلاع على هذه الشروط.
٢- تعيين شركات للتأكد من التطبيق السليم ضمن فترة زمنية لا تتعدّى الشهر الواحد.
٣- تطبيق اللامركزية الواقعية وإعطاء حقوق البلديات من الصندوق البلدي المستقل من دون احتيال ومواربة.
٤- تكليف وزير يدفع معاشات آخر الشهر للتطبيق المذكور أعلاه.
إنّ الناظر اليوم الى أزمة النفايات يعرف جيداً أنّ الحلول المطروحة دائماً تخضع للمزاج السياسي، وهذا أمر لم يعد خافياً على أحد، وتتمّ عرقلة الحلول العملية التي لا تناسب التوجّه العام لهذه السياسات.
وكأنّ المطلوب من المواطن اللبناني أن يتحمّل كلّ يوم المأساة التي يعيشها في نفايات تغرق شوارعه وصحته وبيئته وهواءه، ولكن لا يمكن أن يجترع حلولاً لمعالجة هذه الأزمة لأنّ الحلول يجب أن تبقى في الإطار التقليدي الضيق الذي أوصل لبنان الى هذه الحالة في الدرجة الأولى.
منذ نحو السنتين، وعند بدء الأزمة، كانت لنا الشجاعة أنا والوزير الياس بو صعب للتفكّر خارج القوقعة المفروضة، وخلق حلول لامركزية مستدامة، وأطلعنا على التجارب العالمية في هذا الاطار مثل المانيا وبريطانيا وغيرهما.
وقرّرنا استيراد محرقة تخضع للمعايير العالمية لحرق العوادم التي تخلفها عملية الفرز، وهذه من الحلول المعتمدة في كلّ دول العالم، بعد سنين من الاختبارات والتجارب وبعدما أيقنت هذه الدول المتطورة جداً في مجالات الفرز وإعادة التدوير أنّ الوصول الى نسبة صفر طمر وصفر حرق هو هدف مستحيل.
وقامت القيامة ولم تقعد وتمّ كيل الاتهامات من كلّ الانواع، وسارع البيئيون الى تحطيم المبادرة حتى قبل الاطلاع على مواصفات المحرقة، وتحوّل كلّ عملية حرق الى عمل شيطاني يدمر البيئة ويهدّد صحة الإنسان من دون الاستناد الى الانبعاثات الفعلية للمحرقة المثبتة بتقارير عن مختبرات عالمية معترف بها.
وأصبحت التجربة تحت رحمة وزارة البيئة والتي في الوقت نفسه تتفرّج على المجازر البيئية من إنشاء مطامر غير صحية، الى تكديس نفايات بطرق بدائية.
ما هو الواقع اليوم، اليوم الواقع أنه مطلوب ردم البحر الابيض المتوسط، وطمر كلّ النفايات من دون رقابة فعلية على الفرز، الواقع اليوم أنّ آلاف الاطنان مكدّسة منذ شهور وتزداد يومياً وهذه لا مجال الآن الى فرزها أو الى طمرها لما تحتويه من عصارات سامة تهدّد البحر والإنسان.
الواقع اليوم أنّ المواطن اللبناني يتعرّض لأسوأ أنواع الملوّثات عبر النفايات المتراكمة والحرق العشوائي والمكبات العشوائية، فأين أصوات البيئيين اليوم من هذه المجازر؟ أين حلولهم؟ لبنان يغرق في نفاياته في الوقت الذي يصرّ فيه بعض البيئيين على الفرز الكامل والذي هو غير موجود في الحقيقة، فما هي حلول البيئيين للنفايات التي تراكمت؟
لا يتحمّل الموضوع مزيداً من المزايدات، والمحاولات الهمايونية الفاشلة. اليوم مطلوب حلول فاعلة ولا حلّ للنفايات ما لم يتم خلق تركيبة يكون أساسها التفكك الحراري بعد الفرز، لنرحم ترابنا ومياهنا الجوفية وبحرنا.
المطلوب أن يرفع كلّ مَن تسبّب أصلاً بالأزمة عبر السياسات العشوائية يده عن الملف، نطمح اليوم لجعل ضهور الشوير نموذجاً فاعلاً لمعالجة النفايات، ولنبرهن أنّ إطلاق يد البلديات عبر اللامركزية هو الحلّ الأمثل لحلول مستدامة ولتحرير هذا القطاع تحت سقف المعايير الواضحة المفروضة من وزارة البيئة شرط ألّا تكون استنسابية وأن يكون الحكم على التنفيذ أو عدمه من شركات تدقيق غير تابعة.