IMLebanon

عندما تكبّل السياسة رجال الدين

عُقدت في بكركي قمة مسيحية دعا اليها البطريرك الماروني بشارة الراعي. علامات الاستفهام والتعجب رافقتها في الحضور والمضمون. في حضور رجالات الكنيسة، غاب كلياً التمثيل الأرثوذكسي بعدما اعتذر بطريرك الأرثوذكس يوحنا يازجي عن الحضور لـ«سبب قاهر» لم يُعرف، كما تفيد أوساط أسقفية شاركت في القمة.

اللافت أنه جرت العادة أن يشارك اليازجي ومتروبوليت بيروت الياس عودة أو من يمثلهما، ولكن لم يحصل أن غاب تمثيل الكنيسة الأرثوذكسية بالكامل. هل المسألة مرتبطة بالخلاف المعروف بين يازجي وعودة؟ علماً أن هذا ليس بجديد، وبالتالي كان من الممكن تفاديه بإيفاد مطران مثلا؟ وماذا لو كان الأمر أبعد من ذلك ويطال كيفية مقاربة الكنيسة لقضية النازحين السوريين؟ الأكيد أن كل أبواب الاستعلام من الجانبين عن أسباب العزوف عن المشاركة موصدة، أو بأحسن الأحوال لا تملك جواباً.

في المضمون، وجدت البطريركية المارونية نفسها أمام احتمالين: الأول، عقد قمة مسيحية ـ إسلامية لم تنضج بعد ظروف انعقادها، وبالتالي الأفضل صرف النظر عنها. والثاني، عقد لقاء مختلف جاء على الشاكلة التي عُقد فيها، أي قمة مسيحية جامعة أرادها البطريرك الراعي «كلمة وفاء». وما ساهم في انعقادها هو تلاقي مناسبات عديدة، من عيد البشارة الى عيد البطريرك الماروني والاحتفال السنوي للتلاقي المسيحي ـ الإسلامي. في كل الأحوال، تبدو القمة التي عُقدت «جَمعة خير». ويتمسك القيمون عليها بكونها «ليست اصطفافاً وليست بدلاً عن ضائع، بل كان من الواجب انعقادها ولو حضر بطريرك الأرثوذكس لكان توّج هذا الهدف».

عُقدت القمة بمن لبّى، وجاء بيانها مختصراً في نقاط عمومية، حيث يلاحظ مقاربة القضايا الخلافية عن بعد، كأن يستنكر البيان مثلاً «التدخل الإقليمي والدولي في الحروب في المنطقة».

وخشية أن تُلسع بـ «القضايا النارية»، غابت القمة الروحية المسيحية ـ الإسلامية التي وعد رجال الدين بعقدها منذ أكثر من عام. لكن القيمين على التحضير لمثل هذه القمة يوضحون: «لكي تكون القمة الروحية هادفة لا بد من التحضير الكافي لها وهذا لم يحصل بعد. صحيح أن المسألة ليست مستعصية كما يحلو للبعض أن يصورها ولكن لا يمكن نكران وجود موضوعات سياسية شائكة». ويتابع هؤلاء بكل شفافية: «لا يمكن لرجال الدين أن يصْدروا خطاباً بعيداً عن طوائفهم وقياداتها، ففي الشأن الديني لا قيود ولكن ثمة خصوصيات لكل طائفة تؤخذ بعين الاعتبار».

هناك تأكيد أنه لم يتم تحديد موعد لأي قمة روحية مسيحية ـ إسلامية وتبخر، «فبعض الإعلام تسرّع بالقول إنه كانت هناك قمة واستعيض عنها بلقاء مسيحي، وهذا غير صحيح. فظروف عقد القمة الإسلامية المسيحية لم تنضج بعد وهي ما زالت قيد التحضيرات ولم تلغَ».

وعليه، يؤثر أصحاب السيادة أن يكون جدول أعمالهم أبيض لا بنود شائكة فيه، وإذا لم تكن المسألة كذلك فالأفضل ألا تُعقد القمة من أساسه. يشدد القيمون على عقد القمة على أهمية «أن تخرج بخطاب وطني جامع وإلا لا لزوم لعقدها، فالمرجعيات الدينية لا تتعاطى السياسة إلا في ما يمس الأبعاد الوطنية، كطرح مسألة الشغور الرئاسي ووجود انتخاب رئيس اليوم قبل الغد».

ثمة من يذهب الى تعرية أي قمة قد تعقد من أي تأثير. فحتى لو عقدت تلك القمة الجامعة، إلا أنها عاجزة عن تقديم أي خرق في الأزمات التي تتخبط بها البلاد، وخصوصاً داخل الفريق المسلم. أما بين الفريق المسيحي فتبدو نقاط التلاقي أكثر من أهمية انتخاب رئيس الى مبدأ المناصفة الحقيقية والخطر الإرهابي وبت ملف النازحين لناحية أنه ليس «فزّاعة» كما يروج البعض، فضلاً عن التفاهم حول احترام الاستحقاقات الدستورية. صحيح أنها عناوين جامعة للمسيحيين ولكن تفاصيلها تعكس الخلافات بينهم وليست مسألة «اسم الرئيس» الأولى ولا الأخيرة.

أما وقد انعقدت القمة المسيحية في بكركي فماذا أضافت الى المشهد السياسي الوطني العام في البلد؟ أوساط أسقفية تقول «وهل المطلوب أن تضيف؟ في الواقع اللقاء كان ممتازاً على الصعيد الكنسي وتم التركيز على مجمل القضايا المهمة في لبنان والمنطقة وكان الهدف إيصال صوت الكنيسة الموحد لا طائفة واحدة أو بطريركاً واحداً، بل تظهير المسيحيين في موقف واحد، وهذا كان الهدف الأساس»، لافتة إلى أن انعقاد مثل هذا اللقاء المسيحي الجامع سيحصل وفق ما تفرضه الظروف.

في المحصلة، ليس أمام الكنائس إلا القول في مثل هذه اللقاءات سوى «أللهم إني بلّغت»، فهي لا تتمتع بأي قدرة تنفيذية بل مجرد صرخة في برية السياسة.