Site icon IMLebanon

عندما غضب الرئيس الحريري: دلائل ومؤشرات

لماذا… معظم ما يحضّره العهد الجديد بحكومته الجديدة وما يدعو إليه من تغيير وإصلاح، ولماذا… مشاريع القوانين التي يُعدّها بعض وزرائه تقابلها شرائح واسعة من أبناء هذا الوطن، بكثير من التحفظ وصولا ببعض مواقعها إلى حالات النقد الشديد.

بكل بساطة: الناس عموماً، وقد طال بهم الصبر وضاق بهم الحال بصورة تصاعدية متفاقمة على مدى سنوات طويلة، قد فقدوا ثقتهم بالدولة عموما، وبالحكومات المتعاقبة وقوانينها وتدابيرها، خاصة وأن اتهامات حادة ومحددة تصب لدى معظم الزعامات والقيادات، لأن كثيرين من دعاة الإصلاح وحاملي لواء القضاء على الفساد والهدر، قد اثبتت الوقائع والتفاصيل المملة، أنهم في طليعة الفاسدين وفي مقدمة المعتدين على حقوق الدولة والشعب، والمُلتهمين لحقوق الوطن والمواطنين الباحثين في هذه الأيام عن لقمة العيش وعن «مرقد عنزة» يشعرون فيه بشيء من الأمان والإطمئنان، فلا يجدون إلاّ حديث الصفقات والفضائح والسمسرات «وشيّلني لشيّلك» و«مرّقلي تمرّقلك».

بكل بساطة: لأنهم يرون ما يدور في مؤسسات الدولة والملك العام من عمليات سطو مُشَرْعن في بعض وجوهه، و«على عينك يا تاجر» في بعض وجوهه الأخرى، فهذه حالهم مع موارد الدولة في المرافىء والمطار وطرق التهريب غير الشرعية، وهذه حالهم مع الكهرباء (وهي أم الفساد ومصدر إهدار المال العام) والمياه وكل المؤسسات الإستثمارية التي للدولة فيها اصبع ونصيب، حتى إذا لم يُبرز في هذه الحقول الوسخة، زعيم أو قائد ما، بشخصه الكريم، كان له من هو محسوبٌ عليه، ومستخرج من أضلاعه، وشريك في حساب سمسراته وموبقاته بحق الوطن والشعب.

وإذا كان في حكم التغيير والإصلاح الحالي بعض من النوافذ الإيجابية قد فتحت أمام شيء من الهواء النقي الذي استبشر به بعض الناس ببعض الخير، فإن مرور ما بات يقارب ما يناهز نصف العام على بدايات العهد الجديد دون أن يلمسوا حتى الآن أياً من التغيير وأياً من الإصلاح الجاد والفعلي خاصة في القضايا الأساسية، فيه دلالات ومؤشرات غير مطمئنة.

وها نحن اليوم أمام جملة من المواقف والمطالب، ظاهرها وطني وحقيقتها غوص عميق في أدران الطائفية والمذهبية، فضلا عن غوص آخر أكثر عمقاً في مزالق المصالح الخاصة، الحزبي منها والفئوي والشخصي على حد سواء، ولنا في ملاحظات ومواقف الفرقاء الأساسيين في النزاعات السياسية القائمة حول قانون الإنتخاب الذي صرّح أكثر من مسؤول، وفي طليعتهم الرئيس نبيه بري صاحب الأنتينات السياسية الرئيسية في هذا البلد، لم يصلوا حتى الآن إلى أي حل ملموس، وبالتالي فإننا رغم الجهود التي تُبذل، فهي ما زالت حتى الآن جعجعة مطاحن دون نتيجة من طحين، وها نحن أمام أكثر من جهة تؤكد بأنها لن تقبل بأي مشروع يستهدفها ويختزل من حصصها، وها هي أكثر من جهة تؤكد بأن غايتها الإستحصال على أغلبية كاسحة تمكنها من سدة حكم طويل المدى وقويّ الأسس، وها نحن مع بعض الممسكين بالمقود السياسي والشعبي يصرحون بأن هدفهم هو منصب رئاسة الجمهورية بعد انقضاء مدة هذا العهد، كل ذلك وسط لغط كبير يتناول الجهود المبذولة لإقرار موازنة ترسي الوضع المالي على أسس قويمة ومنتجة، في وقت تقوم القيامات الشعبية المختلفة على الإضطراب الشديد الذي يسود الوضع الإقتصادي بما يتناول الوضع المعيشي المتراجع، أدى إلى هذه الإضطرابات والمظاهرات والمواقف الشعبية الحادة التي تم استغلالها من قبل جهات مدسوسة ومعروفة الأصل والفصل، فصدرت عن بعض المشاركين فيها تصرّفات تخرج عن القواعد الدستورية والقانونية والتنظيمية المعترف بها في كل مجتمع ديمقراطي، كما حصل في التصرفات الجزئية الشاذة التي تمت أمام السراي الحكومي، إلاّ أن الجزء الشعبي السليم منها هو دون شك، تعبير إعتراضي واضح، عن خلل ما في آليات الدولة والحكم عموما، بات تحركه أكثر حدة وجرأة.

مشيرين إلى موقف الرئيس الحريري الغاضب في تلك الجلسة الوزارية التي خصصت لإقرار الموازنة بعد مشاريع التعديلات التي قدمت بهذا الخصوص، انتهت مع غضب شديد نتيجة لنوعية تعامل بعض الوزراء «الإستلشاقي» مع هذه القضية الأساسية، مما أدى إلى رفع الجلسة.

ولعل هذا الغضب الذي صدر عن رئيس الحكومة يعبر عن حقيقة الأوضاع وطريقة معالجتها، وتفسير لموقف الجموع الشعبية منها، وهو موقف له ما قبله وسيكون له ما بعده، في حال استمرار الفرملة والجمود.