Site icon IMLebanon

متى كان الرأي العام يصنع رئيساً؟

الشغور في الموقع المسيحي الاول في الدولة بلغ عاماً وشهراً من العمر، وبموازاة ذلك اتمت «داعش» عامها الاول من اسقاط الحدود التي رسمها اتفاق سايكس ـ بيكو، وارتكاب الفظاعات التي لم تعرفها البشرية لا في ايام البرابرة ولا في ايام التتار متوعدة بطرق اعدام جديدة ستكون اكثر ارعاباً من الحرق والذبح ونسف الاعناق بالمتفجرات، واذا كانت الصدفة ان عمر الشغور يوازي عمر اعلان دولة البغدادي، الا يعني هذا الامر شيئاً لدى الاقطاب المسيحيين لا سيما وان الوجود المسيحي في الشرق نسخة اخرى عن حكاية الهنود الحمر حيث تم اقتلاعهم من العراق بوحشية لا مثيل لها وكذلك الامر في سوريا حيث ظهرت المناطق التي استباحتها جحافل «داعش» و«النصرة» من المسيحيين ومن بقي منهم حياً فرض عليه اعتناق الاسلام الداعشي وفق الاوساط المواكبة للمجريات وكما في العراق وسوريا كذلك في فلسطين التي غادرها مسيحيوها ومن بقي في ارض مهد المسيح منهم لا يتعدون عدد اصابع الكف.

وتضيف الاوساط ان الآتي اعظم وسط ضبابية الافق «للفوضى الخلاقة» التي اطلقتها الادارة الاميركية رداً على «غزوة 11 ايلول» وان المجريات الميدانية في سوريا والعراق تؤشر لحرب المئة عام حيث نجح المخطط الاميركي في ايجاد الحلبة المثالية الجاذبة للارهاب في كافة ارجاء المنطقة وعلى قاعدة «دعوهم ينضحون في دمائهم»، لقد وفق الاميركيون باختراع «دولة الخلافة» التي طالب ابو بكر البغدادي الخليفة المزعوم المسلمين بالهجرة اليها من اقطاب الارض كافة فكان له ما اراد حيث تشير المعلومات ان نسبة الاجانب في صفوف «داعش» تبلغ حدود الـ60 بالمئة من مجموعة المقاتلين، وبهذه الطريقة الذكية الى حدود الخبث تخلصت الاجهزة الغربية نسبياً من المتطرفين التكفيريين الذين كانوا يشكلون خطراً على مجتمعاتها، ومن سيبقى حياً منهم بعد استيفاء مهمة «داعش» ومشتقاتها ستكون نفس الاجهزة بانتظارهم لدى عودتهم الى ديارهم.

وتشير الاوساط نفسها الى انه وفق هذه الصورة المعقدة والسوداوية في ان يبقى لبنان آخر معقل للمسيحيين في هذا الشرق التعيس، وعلى الرغم من ذلك فان الاقطاب المسيحيين لم يتعلموا درساً واحداً من تاريخهم، ولا سيما الموارنة منهم ففي احداث 1860 اجتمع شيوخ الشباب في انطلياس وهم: يوسف بك كرم وابو سمرا غانم ويوسف الشنتيري وطانيوس شاهين مع مقاتليهم بهدف الزحف الى بعبدا وانقاذها من الحصار الدرزي ولكنهم اختلفوا على من يكون القائد ولم يتفقوا على احد منهم وفي اثناء مداولاتهم ومطولاتهم اجتاح الدروز بعبدا وفضلوا بشير الثالث فانفض جمع شيوخ الشباب ولم يتلاقوا مرة أخرى.

وتقول الاوساط ان الواقع المسيحي في الوضع الراهن يشبه الى حدود التطابق مسألة شيوخ الشباب، ففي ظل الخطر الوجودي على المسيحيين، يتصرف بعض اقطابهم وكأن البلد ينتمي الى الغرب المتقدم وليس في متناول من «داعش» و«النصرة» الموجودين في الجرود العرسالية اضافة الى الخلايا الراقدة في بيئات معروفة وحاضنة لها ناهيك بمخيمات النزوح السوري و«بعين الحلوة» احد معاقلهم الاساسية، واذا كانت ورقة «اعلان النيات» قد مسحت اللوح الاسود في العلاقات بين «التيار الوطني الحر» و«القوات اللبنانية»، ورفعت من معنويات الساحة المسيحية، وبدلاً من نزول النواب المسيحيين الى مجلس النواب لانجاز الاستحقاق الرئاسي قبل ان تطير الكرسي الاولى منهم على وقع لعبة الامم اطلق «التيار الوطني الحر» عملية الاستطلاع المسيحي علماً ان الاستطلاع المذكور غير ملزم ولا يصرف في بورصة السياسة، بل يحدّد اتجاهات الرأي العام، فرئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع لا يمانع، اما النائب سليمان فرنجية فكان الأكثر وضوحاً وصراحة اذ اعلن انه سينتخب العماد ميشال عون مهما كانت نتائج الاستطلاع كما انه سيهنئ جعجع اذا انتخب رئيساً ولكنه لن ينتخبه، في وقت، رفض فيه النائب سامي الجميل عملية الاستطلاع وكذلك بعض المستقلين لعدم تشكيل سابقة قد تعتمدها الطوائف الاخرى، ويبقى السؤال يتمحور حول الهدف من هذه العملية هل هي لتقطيع الوقت ام للتسلية طالما النتائج معروفة سلفاً كون عون وجعجع يمثلان بندية الساحة المسيحية، وهل المرحلة تحتاج الى تفسير المفسَّر في وقت يتعاظم فيه خوف الفاتيكان على مصير المسيحيين اثر جولة مبعوثه الكاردينال دومينيك مومبرتي الذي سيعود قريباً الى لبنان، فهل الاستطلاع ينتج رئيساً كون جميع اللاعبين يعرفون ان الطبق الرئاسي منذ قيام «دولة لبنان الكبير» يطبخ في الخارج، ومن سخرية القدر ان بعض الاقطاب المسيحيين ينطبق عليه قول السيد المسيح «مرتا تفعلين الكثير والمطلوب واحد».