ماذا حقّق التدخُّل العسكري المباشر لروسيا في الحرب الأهلية – المذهبية الدائرة في سوريا منذ سنوات في رأي متابعين أميركيين من واشنطن للأوضاع فيها كما لكل ما يجري في الشرق الأوسط؟
يجيب هؤلاء بالآتي:
1 – نجح الرئيس فلاديمير بوتين في تحصين المنطقة التي يسيطر عليها الرئيس بشار الأسد وفي تلافي انهيار نظامه الذي كان صار قريباً، وبعبارة واحدة نجح في بقائه على “عرشه” على الأقل في المرحلة الراهنة.
2 – أدرك الرئيس فلاديمير بوتين، رغم دقّة حساباته ومعرفته الدقيقة بظروف التدخُّلات العسكرية لبلاده خارج حدودها، أنه بتدخُّله في سوريا قد يقع في فخّ كبير. ذلك أنه يعرف أن الولايات المتحدة ضاعفت ثلاث أو أربع مرّات كميات الأسلحة الفتّاكة التي ترسلها إلى المعارضة السورية المعتدلة. ويعرف أيضاً أن الدول المعادية للنظام في المنطقة تتابع إرسال السلاح المتنوّع والقاتل إلى كل التنظيمات التي تحاربه من إسلامية متطرِّفة وغير إسلامية، ومن إسلامية معتدلة. ويعرف أخيراً أن خسائر بشرية مهمة قد بدأت تلحق بالمقاتلين السوريين والإيرانيين ومقاتلي حليفهم “حزب الله”، وأن خسائر ستلحق به.
3 – أدرك الرئيس فلاديمير بوتين، حتى قبل أن ينفِّذ تدخُّله العسكري المباشر في سوريا، أن عليه أن يفاوض القوى المعادية لحليفيه السوري والإيراني كي يؤمِّن طريقاً آمنة للخروج من المستنقع السوري. وهو يسعى إلى ذلك وقد يكون بدأ التفاوض في الاجتماع الموسَّع الذي استضافته ڤيينا الأسبوع الماضي. لكنه يعتقد في الوقت نفسه أنه يستطيع التفاوض من دون إزاحة الأسد عن سدّة الحكم حالياً. فضلاً عن أنه يعرف أنه قد يتّخذ في مرحلة معينة مقبلة قراراً بالتخلِّي عنه. لكنه يريد قبل ذلك التأكد أن الرئيس الذي سيخلفه على رأس نظام جديد سيحترم المعاهدة “المزمنة” الموقّعة بين سوريا وروسيا، والاتّفاقات الأخرى التي وُقّعت حديثاً والتي قد يكون معظمها غير معروف التفاصيل. كما أن حلفاءه الإيرانيين يريدون التأكد أن التخلِّي نتيجة التفاوض لن يحرمهم حرية الوصول من دون قيود إلى “حزب الله” في لبنان والتواصل معه. وذلك كله يجعل من الصعب تصوُّر مفاوضات ناجحة جرّاء تناقض المواقف والشروط والضمانات المطلوبة.
4 – من هي الجهات التي سيتفاوض معها فلاديمير بوتين؟ معارضة الداخل؟ علماً أنها لا تتمتع برصيد مقبول أو كبير لدى غالبية الشعب السوري المهجَّر داخل أرضه وخارجها؟ أم معارضة الخارج المقسَّمة جداً؟ وإذا كانت المفاوضات ستقود إلى نظام أو بالأحرى مرحلة انتقالية، هل ستسيطر طائفة الأسد عليها أو حزبه (البعث)؟ وهل ستستمر سيطرته على القوات المسلَّحة أو ما تبقّى منها وعلى الأجهزة الأمنية؟ وهل سيكون ذلك مقبولاً من أحد أو على الأقل من غالبية السوريين ومن القوى الإقليمية والدولية المعنية؟
5 – إذا أُجريت انتخابات عامة في سوريا فمن الذي سيشارك فيها من السوريين وأين؟ ذلك أن نصف “الغالبية” في الشعب السوري هي إما مهجَّرة داخل سوريا أو نازحة إلى دول مجاورة لها أو عابرة الشرق الأوسط في لجوئها إلى دول الاتحاد الأوروبي وأميركا أو بالأحرى مدفوعة إلى عبور كهذا. وعلى هؤلاء النازحين المهجَّرين سيقع عبء إعادة بناء بلادهم إذا انتهت الحرب وقُيّضت لهم إعادة بنائها.
هل ستسفر المفاوضات التي بدأت في ڤيينا الأسبوع الماضي عن تسوية سياسية أو حلّ، وإن استغرق ذلك وقتاً طويلاً؟
يأمل المتابعون الأميركيون أنفسهم في ذلك. لكنهم يعتقدون أن ارتكاب خطأ وإن صغيراً قد يتسبَّب بمضاعفات كثيرة وقد تكون له آثار كارثية. ذلك أن المنطقة تشهد صراعاً بين قوى عالمية كبرى، كما تشهد صراعاً آخر بين قوى إقليمية. وجنوحها إلى التفاوض سببه خوفها أن تخرج الأوضاع وتطوّراتها في الشرق الأوسط عن السيطرة. أما في حال استمرار الحرب في ظلّ المعطى الجديد، وهو تدخُّل روسيا عسكرياً على نحو مباشر، فإن تلك القوى تعتقد أن بوتين سيدرك عاجلاً أو آجلاً أن عليه مواجهة المتطرِّفين جداً (الإرهابيين) جدّياً. وهو لن يستطيع النجاح وحده في ذلك. وعليه عندها التوجُّه إلى أميركا لاقتراح إرسال حملة برّية مشتركة إلى سوريا من دونها لا يمكن هزيمة “داعش” وأمثاله. فهل سيكون بوتين مستعداً لذلك؟ وهل سيتجاوب الرئيس المقبل لأميركا معه علماً أنه قد يكون متشدِّداً على الأرجح؟