Site icon IMLebanon

عندما تكشف الموازنة «المستور»

من خلال مشروع الموازنة التي قدمتها وزارة المالية، والتي تبدأ الحكومة مناقشتها في منتصف شباط الجاري، يتبين ان الوضع المالي في لبنان يحتاج الى عناية خاصة، لأن الارقام المطروحة، لا تدعو الى الارتياح.

من يتابع عن كثب ما ورد في مشروع الموازنة، يتبيّن له ان نسبة الضرائب الجديدة المقترحة تعتبر كبيرة وخطيرة على الاقتصاد، خصوصا عندما يكون الوضع الاقتصادي في وضع ركود، كما هو حال الاقتصاد اللبناني منذ سنوات.

والضرائب في حدّ ذاتها ليست مصدر القلق، بل ان توزيعها والهدف من فرضها، هما العنصران اللذان يجعلان منها نقطة ضعف وخطر على الاقتصاد الوطني.

إذ تُظهر أرقام الموازنة، ان الضرائب المقترح أن تُرفع وتزيد حوالي المليار و300 مليون دولار سنويا، لا تؤدي الى تحسّن في العجز السنوي، الذي سيرتفع، ودائما حسب تقديرات مشروع الموازنة، حوالي 4 مليارات و800 مليون دولار. وهو رقم مرتفع في حسابات الاقتصاد، ويبلغ حوالي 9.5 % من حجم الناتج المحلي.

لا تكمن مشكلة الموازنة في حجم العجز (deficit) فحسب، بل في طريقة صرف الاموال الاضافية المطلوبة في الايرادات. اذ يتبين ان الاموال ستنفق على زيادات في الرواتب، والتي باتت تستحوذ على أكثر من ثلث حجم الانفاق، ومرشحة للارتفاع أكثر، وعلى بعض انواع الخدمات، وزيادات في موازنات الوزارات.

وهذا يعني انه انفاق اضافي غير مجدي في المفهوم الاقتصادي، بعكس الانفاق الاستثماري على قطاع البنية التحتية مثل الكهرباء والمياه والطرقات وشبكات الهاتف الثابت والخليوي… كلها قطاعات تقدّم خدمة الى المواطن، لكنها تساهم في الوقت نفسه في انعاش الاقتصاد، من خلال تأمين بنية تحتية مناسبة للاستثمارات وتسهيل الأعمال على كل المستويات. هذا الانفاق لم يرتفع بما يكفي في مشروع الموازنة لكي تكون زيادة الانفاق مبرّرة على صعيد تحسين الوضع الاقتصادي.

بالاضافة الى ذلك، فان حجم العجز الذي يقارب الخمسة مليارات دولار سنويا، لم يأخذ في الحسبان احتمالات تراجع الايرادات نتيجة استمرار الانكماش في الاقتصاد، بالاضافة الى احتمال تراجع التحويلات الى لبنان من اللبنانيين العاملين في الخارج، بسبب سياسة التقشف المتبعة في دول الخليج، وبسبب مباشرة دول الخليج تطبيق سياسة فرض ضرائب، والغاء الدعم للسلع، بما يعني زيادة انفاق القوى اللبنانية العاملة في الخليج، وتراجع نسب التحويلات الى لبنان.

يأتي العجز في الموازنة رغم ان الدولة وفّرت حوالي مليار دولار في الفاتورة النفطية للكهرباء، بما يعطي فكرة عن حجم العجز الذي كان سيصل الى 6 مليار دولار سنوياً، لولا تراجع اسعار النفط. كذلك، وفّرت الدولة بين 200 و300 مليون دولار من خلال خفض معدل اسعار الفوائد على مجموع الدين بالعملات والليرة.

وهذا ما يبرّر ارتفاع الدين العام من 70 مليار دولار العام 2016 الى حوالي 75 مليار دولار العام2017، من دون ان ترتفع تقريباً كلفة خدمة هذا الدين. لكن معدل اسعار الفائدة، قد يتبدّل قليلا نحو الارتفاع، تماهياً مع سياسة الفدرالي الأميركي الذي يتجه الى رفع اضافي لاسعار الفائدة على الدولار.

الى ذلك، يأتي قرار خفض اسعار الفوائد على القروض العقارية، في مصرف الاسكان وفي المؤسسة العامة للسكان، ليعكس الحاجة الى تحريك بعض القطاعات، خصوصاً تلك التي تساهم في زيادة الاستهلاك، وزيادة الطلب على القروض المصرفية خصوصا بالليرة، بهدف حماية المصارف من احتمالات تراجع الحركة بسبب الركود في السوق.

وقد اصبحت القروض المصرفيةتشكل حوالي 20 في المئة من مجموع قروض المصارف الى القطاع الخاص، بما يبرّر الاهتمام في منع الركود في هذا القطاع، لأن التداعيات على الناس والمصارف ستكون قاسية، وستؤثّر على الاقتصاد بشكل عام.

هذا الوضع الاقتصادي، في ظل استمرار التجاذبات السياسية حول قانون الانتخابات، وفي ظل استمرار الحروب في المنطقة، يُقلق أهل الاقتصاد، بانتظار ما ستكشف عنه التطورات السياسية في الفترة المقبلة.