أظهرت وثائق ويكيليكس المسربة حديثاً، والتي تعود الى الفترة التي سبقت توقيع اتفاقية كامب ديفيد بين مصر وكيان العدو الإسرائيلي في عام 1979، أن أغلب رؤساء وملوك العرب وأولياء عهودهم ومستشاريهم وسفرائهم قاموا مقام «المخبرين» لدى الأميركيين. فهؤلاء اعتادوا تبليغ ممثلي واشنطن أي خطوة كانوا ينوون اتخاذها، بالطبع قبل قيامهم بها. إذ أظهرت الوثائق طلب مسؤولي الدول العربية الدائم من ممثلي الولايات المتحدة أن تتفهم أميركا مواقفهم السلبية المعلنة ضد اتفاقية السلام المزمع توقيعها، مبررين ذلك بخوفهم من إغضاب الدولتين السورية والعراقية من جهة، ومن ردّ فعل فلسطيني قد تقوم به “منظمة التحرير الفلسطينية” ضدهم.
في اجتماعاتهم المغلقة، قال بعض المسؤولين العرب ما كانوا يخافون قوله في العلن. ففي إحدى الوثائق المسربة التي تحمل الرقم 1978AMMAN08502_d أبلغ الملك الأردني حسين السفير الأميركي في عمان، نيكولاس فيليوتس، بصراع دار في اجتماع وزارء الخارجية العرب في بغداد بين «المتشددين الذين تقودهم سوريا و(بين) العرب المعتدلين». أضاف أن «السوريين يريدون عزل مصر ومحاصرة السادات وإعلان العرب رفضهم للاتفاقية». وقال الملك الاردني إن بلاده والسعودية تعملان معاً على عدم عزل مصر عن عالمها العربي، وإنه أرسل “رئيس الديوان الملكي عبد الحميد شرف لمساندة الأمير فيصل (وزير خارجية السعودية آنذاك) في جهوده هذه». وأخبر حسين السفير فيليوتس بأنه في حال استمر الصراع الحالي، فإن وزراء الخارجية قد ينصحون بعدم حضور رؤساء الدول الى بغداد. وبعد عودته من بغداد، قام شرف شخصياً بإبلاغ السفير الأميركي بما جرى في العاصمة العراقية. تثبت ذلك وثيقة تحمل الرقم 1978AMMAN08030_d قال شرف فيها إن الأمير سعود الفيصل أمضى وقته في شرح المخاوف السعودية من القمة العربية، وإن المملكة على استعداد للعمل مع الأردن «لتوجيه الدفة في القمة العربية الى صالح المعتدلين» حسب تعبيره. وأضاف شرف أنه في الفترة المقبلة، ستعمل المملكتين معاً لتخفيف الاحتقان ضد مصر.
وفي السياق نفسه، تواصل الطيب السحباني المسؤول في وزارة الخارجية التونسية مع سفير أميركا في تونس أثيرتون لإخباره عن موقف بلاده من قمة بغداد (وثيقة رقم 1978TUNIS07277_d). وقال السحباني إن موقف بلاده مبدئي لجهة «عدم قبول تونس أن تكون طرفاً في محاكمة مصر» لموقفها الداعي إلى السلام مع إسرائيل. وقال السحباني إن «بلاده غير متحمسة في الوقت الحالي لفكرة عقد قمة عربية، لكن أغلب الدول العربية وافقت على عقدها». وفي رسالته الى الخارجية الأميركية، قال سفير الولايات المتحدة إنه في حال قررت تونس المشاركة في القمة فإن موقفها سيكون «داعماً للمعتدلين العرب، ورافضاً لعزل مصر عن محيطها، ولأجل ذلك سنعمل مع السعودية والمغرب والسودان». وأكد السحباني للسفير أن «تونس ستعمل على عدم خروج القمة عن السيطرة».
بعد القمة التي عقدت، رغم سعي أغلب الدول “المعتدلة” لعدم عقدها وعزل مصر السادات، عقد الأميركيون وجهاز الاستخبارات الإسرائيلي جلسة تقييم للأوضاع لدراسة مدى تأثير قرار العرب على السادات وعملية السلام. ففي وثيقة تحمل الرقم 1978TELAV18220_d أبلغ الإسرائيليون السفير الأميركي لويس تقييمهم الاستخباري لقمة بغداد. ورأى خبراء الكيان أن القمة كانت إنجازاً لسوريا والعراق ودرساً للسادات. وأضاف هؤلاء أن «السادات غير مرتاح لهذه التطورات، لكنه يتوقع أن يتأقلم العرب مع الاتفاقية بين مصر وإسرائيل، وتحديداً السعودية، التي ستستنتج أنه لا يمكنها مواجهة مصرٍ عدائية». وأبرز الاستنتاجات التي تبينت بعد القمة أن «التأثير السعودي على القرارات المهمة للدول العربية محدود». وشرح الإسرائيليون أن السعوديين يعرفون أن إعادة العلاقات السورية العراقية والتطورات على الساحة الإيرانية و«ظهور المتطرفين سيجبر السعوديين على التواصل مع مصر ودعم السادات».
وقال التقييم الإسرائيلي إنه «خلال القمة تخوّف السعوديون من الضغط في اتجاه تخفيف الخناق عن المصريين خوفاً من الخروج عن الإجماع العربي». وأكمل الإسرائيليون قائلين إن السعودية «كانت في موقف دفاعي خوفاً من إساءة فهمها، أو بسبب التزامات مسبقة كانت قدمتها لمنظمة التحرير وسوريا. وخمنوا أن تود المملكة في هذه اللحظة مداراة منظمة التحرير، خصوصاً إذا نال الفلسطينيون دعماً أكبر من سوريا والعراق. ويبدو أن السعودية ستسعى جاهدة لعدم إقرار إجراءات ملموسة ضد مصر والسادات في حال وقّع اتفاقية السلام». أما عن موقف باقي الدول العربية من قرارات قمة بغداد، فرأى الإسرائيليون أن «الدول العربية المعتدلة ستواجه مأزقاً في اتخاذ خطوات ملموسة ضد مصر». وفي السياق نفسه، اطّلع السفير الأميركي في وثيقة تحمل الرقم 1978TELAV19163_d على تقييم إسرائيلي آخر يجزم بأن «السادات لا يستطيع الآن التراجع عن توقيع الاتفاقية، حتى لو توقفت المفاوضات الجارية مؤقتاً، بسبب الضغوط العربية عليه». ورأى التقييم الإسرائيلي أن «موقف بيغن (رئيس حكومة العدو) أقوى من السادات، رغم تخلي بيغن عن مستوطنات سيناء». أضاف التحليل أن موقف مصر ضعيف، وأن اليد العليا هي لبيغن، و«لو وضع السادات عينه في عين بيغن فإنه، كالمعتاد، سيرفّ جفنه أولاً».