إذا كان واضحاً ان سعد الحريري هو الذي خالف قواعد اللعبة مع ميشال عون وانقلب على وعده بتعطيل الملف الرئاسي وانجاز التعيين في قيادة الجيش فان رئيس الحكومة لم يفعل بالمثل بل مارس منذ البداية سياسة التعنت مع الرابية والتمسك بما يراه من حقه والثوابت الحكومية على حد قول مصادر مسيحية، وإذا كان التفاهم مع التيار الأزرق من قبل الرابية رغم كل الحرب السياسية القائمة بينهما لا يزال مشروعاً قائماً فان التفاهم مع رئيس الحكومة لا يزال هو الأصعب والأكثر تعقيداً، فالواضح ان الخلاف السياسي عونياً مع رئيس الحكومة قطع اشواطاً ومسافات طويلة يصعب العودة عنها، هذا الخلاف وصل الى حد اتهام العونيين لسلام بالداعشية السياسية ومصادرة حقوق المسيحيين وبانه يتصرف في مجلس الوزراء كرئيس للجمهورية ورئيس لمجلس الوزراء في الوقت نفسه، فكان رد التيار من السراي والشوارع المحيطة على استهداف التيار من قبل رئيس الحكومة في محاولة عونية لوقف التعدي على صلاحيات رئيس الجمهورية وتوقيع القرارات في مجلس الوزراء.
برأي العونيين فان البلاد مع رئيس الحكومة لم تعد «تمام» وكذلك العلاقة ايضاً فرئيس الحكومة هو من دفع التيار الوطني الحر الى الشارع، وهو المشارك الفعال في التمديدين الأول والثاني لمجلس النواب والمحرك مع تيار المستقبل للتمديد لقيادة الجيش فيما اتهامات الرابية تطول ايضاً بحق سلام فان الأخير يعتبر ان طموحات الرابية تجاوزت السقف المحدد لها وان زعيم الرابية وان عون نال اكثر من حقوقه وحجمه وانه المتهم الرئيسي بتعطيل الانتخابات الرئاسية.
يؤكد العارفون في تفاصيل العلاقة الماضية بين المصيطبة والرابية بان ليس هناك الكثير من الود بين الموقعين او ثمة إفراط في المشاعر الإيجابية بين الطرفين ، فالعلاقة لم تشوبها إشكالات كثيرة فيما مضى ولكن القرار المتبع في حينه من الجهتين بتفادي الخلافات او بتأجيل التوتير والخلافات خصوصاً ان الزمن الحالي هو للتضامن في الحد الأدنى وتمتين الجبهة الداخلية في زمن «داعش» وتطوراتها الدراماتيكية ودخولها على الساحة اللبنانية.
لطالما حرص رئيس الحكومة تمام سلام على إضفاء الإيجابية على علاقته بكل الأطراف في الداخل، والتيار الوطني الحر كان في طليعة اولويات رئيس الحكومة مع الآخرين، فالمؤكد ان مرحلة سلام في البداية لم تكن تشبه مرحلة نجيب ميقاتي في الحكومة التي سادتها توترات كثيرة، رغم كل التجاذب الذي رافق وصول سلام وإنجاز تشكيلته الحكومية. بداية الخلاف والتجاذب بينهما ظهر بعدما حل الفراغ في رئاسة الجمهورية بين رئاسة الحكومة والرابية على خلفية انتقال الصلاحيات الرئاسية الى رئاسة الوزارة إضافة الى بعض المناوشات في ملف التعاطي مع النازحين السوريين والتفرد بالقرارات في مجلس الوزراء .منذ تشكيل الحكومة كاد التصادم يحصل اكثر من مرة بين المصيطبة والرابية على خلفية تشكيل الحكومة وتوزيع الحقائب الوزارية بعد تصلب الرئيس المكلف وتمسكه بالمداورة، وكثيراً ما فاجأ بيك المصيطبة في عدة محطات زعيم الرابية، كون الأخير لم يبد الكثير من المرونة من اجل تشكيل حكومته او يقدم لها التسهيلات المطلوبة كما فعل سعد الحريري الذي قلب الدنيا رأساً على عقب، متنازلاً عن مبدأ الجلوس مع حزب الله او «حكومة القتلة» متجاوزاً جراحه وغضب جمهوره لضرورات وطنية، فالمفاوضات التي سبقت انجاز الحكومة اظهرت عدم التفاهم القوي بين الرابية والمصيطبة في ذلك الوقت.
يبدي القريبون من التيار عدة ملاحظات على رئيس الحكومة على امتداد العلاقة به حتى من قبل ان تتم تسميته، فالتجارب اثبتت ان رئيس الحكومة أخطأ منذ تكليفه عدة مرات ولا يزال مع التيار الوطني الحر ، فهو كما يقول العونيون لا يتعاطى مع التيار وفق ما يمثله لدى المسيحيين ويحاول ان يفرض شروطه في الحكومة متجاوزاً التمثيل المسيحي الشعبوي للتيار الوطني الحر . بالنسبة الى العونيين ليس هناك من بارقة امل تلوح بالافق من اجل تحسين العلاقة مع رئيس الحكومة الذي لا يزال يتعمد التعدي على صلاحيات رئاسة الجمهورية وممارسة التهميش بحق المسيحيين من خلال مجلس الوزراء.
في البداية كان باعتقاد الرابية ان التعاطي مع سلام سيكون مختلفاً عن الرؤساء المكلفين من الحقبات الماضية، إلا ان محصلة السنوات الاولى الحكومية اظهرت نسخة معدلة عن الرئيس فؤاد السنيورة، فرئيس الحكومة لم يظهر الود ابداً لزعيم الرابية لا في الحكومة ولا على المستوى الشخصي وبالعكس فان سلام فاجأ ميشال عون في كل المراحل وتميزت العلاقة بينهما بالمقاطعة السلامية للرابية التي لم يصلها الكثير من موفدي رئيس الحكومة وممثليه في حين تبدو علاقة المصيطبة «على تمام» مع حلفاء الرابية في عين التينة وحارة حريك.