إنها المرة الأولى التي تشتعل فيه التحليلات الاستبقائية لما يمكن أن يدور بين الجنرال ميشال عون والسيد حسن نصر الله، وتسبق الإعلان عن اللقاء بروايات مطولة ومقتضبة عن المحضر الافتراضي. في العادة يُنشر الخبر بعد ساعات من حصول الاجتماع الذي يبقى في حلقة حديدية من السرية، حتى على أقرب المقربين. ولكن للقاء المنتظر نكهة متمايزة…
هناك من تعمّد بث التسريبات عن احتمال حصول جلسة مطولة بين الرجلين، عشية دخول الحكومة المربّع «الزجاجي» للتعيينات الأمنية، وكأنها محاولة للإيحاء أنّ «تكتل التغيير والإصلاح» قد لا يتوانى عن استخدام عضلات حليفه الأصفر لمحاصرة بقعة زيت التمديد ومنعها من التسرب الى شرايين المؤسسات الأمنية والعسكرية.
ولكن المواكبين لمثل هذه اللقاءات، يعرفون جيداً أنّه في جلسات من هذا النوع، لا يتسلل الحديث أبداً إلى تفاصيل السياسة اليومية وزواريبها الموجعة للرأس، وإنما يتركز البحث في قضايا المنطقة ومساراتها وما يمكن لها أن تسلكه من دروب اشتباكية أو تفاهمية.
هكذا، من المستبعد وفق هؤلاء، أن يتطرق الحديث بين الجنرال والسيد الى أزمة التعيينات الأمنية و«حواشيها»، على الرغم من أهميتها، ومن قدرتها على تعريض الحكومة لـ «هزّة بدن» هي بغنى عنها، نظراً لرفض ميشال عون الخروج منها خالي الوفاض.
لا يزال احتمال «الهزة» وارداً. فالعماد ميشال عون ليس بوارد تقديم ورقة قيادة الجيش بشكل مجانيّ، خصوصاً إذا صدقت تقديرات البعض بأنّ الرجل صار شبه مقتنع أنّ حرب اليمن سحبت بساط الرئاسة من تحت قدميه، وصار لزاماً عليه أن يخوض معركة اليرزة على قاعدة «الحياة أو الموت»، حيث لا مجال لحلول المناصفة أو التفاهمات الرمادية، ولا بدّ بنظره من التقاط عصفور قيادة الجيش إذا كانت «الجائزة الكبرى» المتمثلة برئاسة الجمهورية لا تزال على الشجرة.
كل هذه المقاربة يدركها حلفاؤه جيداً. وهم يعرفون، كما أبلغهم الجنرال عبر الموفدين، أنّه ستكون له خطوات ميدانية تصعيدية من شأنها أن تساعده على تحقيق الهدف. وقد فُهم من هذه الرسائل أنّ العونيين سيرفعون من سقف اعتراضهم السياسي الى أقصى الحدود، وهو ما أكد عليه الجنرال بالأمس تاركاً باب كل الاحتمالات مفتوحاً، من دون أن يعني ذلك أنّ تفجير الحكومة واحد من الاقتراحات الجدية.
ولهذا فإن سيناريو تطيير الحكومة شبه مستبعد، لاعتبارات لا تتصل فقط بموقف رئيس «تكتل التغيير والإصلاح» وبما يطمح إليه، وإنما بتعقيدات المنطقة التي تزيد من صعوبات التفاهمات الإقليمية، وتقلص فرص التسوية اللبنانية، أو بالأحرى تُبعدها.. وترفع استطراداً من منسوب «الدقّة» على المسرح اللبناني.
هكذا، وفي الوقت المستقطع بانتظار أن يطرق قطار التسوية الإقليمية الباب اللبناني، لن تكون القوى اللبنانية قادرة على تطريز بزّة جديدة على قياس رئيس حكومة يكون مقبولاً من الجميع يحلّ محل تمام سلام، فيما لو انفرط عقد الحكومة بفعل الاستقالة الجماعية.
سؤال مركزي يطرح على لسان كل من يتلقّف تهديدات الجنرال، فيقيسها بمقياس المصلحة من هذا التطيير، ويسطر «مذكرة بحث» عن بديل من تمام سلام. حتى الآن، لم يقل «حزب الله» كلمته، ولم يعبر عن التوجه الذي سيسلكه من قضية التعيينات الأمنية، وإن كان يعرف جيداً خصوصية هذا الملف في الصالون البرتقالي.
ولكن يمكن التأكيد أنّ «حزب الله» لم يرسم بعد خارطة الطريق التي سيستخدمها للقفز فوق هذا اللغم ولم يحسم خياراته أو حتى صياغات موقفه، ربما بانتظار أن تُفتح كل الأوراق وتتضح النيات الجدية لا التمنيات والوعود العابرة للمحيطات… فيعود ليدلي بدلوه.
كما يمكن التأكيد، أن سليمان فرنجية هو أكثر من عبّر عن موقف الضاحية الجنوبية حتى لو لم تصفق له، أقله في العلن، عندما قال: «حزب الله» يؤيد مبدأ تعيين قائد جديد للجيش، ولكن في حال تعذّر الأمر فلن يقف مكتوف الأيدي وسيضطر للاستعانة بمخدر التمديد.
هكذا، ثمة من يقول إنّ «حزب الله»، الذي يرفض الشغور في القيادة العسكرية، هل سيرضى بالشغور في الحكومة وهي آخر المؤسسات الدستورية العاملة؟