التمديد وحده لا يُخرج البلد من الأزمة السياسية التي يتخبّط فيها، منذ فترة ليست قصيرة، والتي اشتدّت وطأتها بعد هذا الشغور المُعيب في رئاسة الجمهورية.
المزاج الشعبي الرافض لهذا «التواطؤ» بين أطراف الطبقة السياسية حول التمديد للمجلس النيابي سنتين وسبعة أشهر، يمكن أن يهدأ قليلاً، ويتجرّع هذه الكأس المرّة، في حال تحوّل «التواطؤ» إلى توافق، بين الأطراف السياسية عينها التي أمّنت نصاباً بخمسة وتسعين نائباً لجلسة التمديد، توافق يهدف إلى انتخاب رئيس الجمهورية، وإنهاء مسخرة الفراغ في المركز المسيحي الأوّل في لبنان، والوحيد في المنطقة العربية!
أما الاكتفاء بهذا التمديد المُلتبس، وغير الشعبوي لمجلس النواب، فيعني أن الطبقة السياسية متوافقة، ضمنياً، على التمديد للأزمة السياسية التي تنهش في اقتصاد البلد واستقراره، وتهدّد الناس في لقمة العيش والغد والمصير!
* * *
ثمة من يُشكّك بقدرة الأطراف السياسية الحالية على إخراج البلاد والعباد من دوامة الفراغ الدستوري الحالي، وما يعكسه من خواء سياسي، كشف عجز السياسيين عن معالجة خلافاتهم المزمنة، وتدوير الزوايا في الملفات المعقدة، خاصة في ظل استمرار المقاطعة بين القوى الأساسية، وسياسة «إدارة الظهر» بين تيّار المستقبل و«حزب الله»، قطبي الاستقطاب السياسي في هذه المرحلة الحرجة.
لا شك في أن الولوج إلى فضاء الحلول والتسويات المحلية، يتطلب إيجاد مناخات مناسبة للعودة إلى الحوار، أو لفتح قنوات تواصُل، تساعد على اعتماد التفاوض سبيلاً للبحث عن المخارج المناسبة، وإنقاذ ما يمكن إنقاذه، قبل أن يسقط السقف على رؤوس الجميع.
فهل دقت ساعة الحوار وإنهاء القطيعة، خاصة بين المستقبل والحزب؟
ليس خافياً أن التواصل بين التيار الأزرق والرئيس نبيه برّي مستمر، ولم ينقطع، وإن كان يمر أحياناً بقنوات باردة، أما بالنسبة للحزب، فالقطيعة مستمرة منذ الاستقالة من حكومة الرئيس سعد الحريري، وما تبعها من تباعد أوسع في المواقف بعد اندلاع الثورة السورية.
ولم يعد سراً القول إن هذا الخلاف كان في مقدمة الأسباب التي أدّت إلى تأخير ولادة الحكومة السلامية أكثر من عشرة أشهر، وساهم إلى حدّ ما في تعطيل الاستحقاق الرئاسي، فضلاً عن حالة الشلل التي ضربت دَور العديد من الإدارات العامة.
أدرك الرئيس الحريري باكراً مخاطر هذا الانقسام في الشارع الإسلامي، على الجبهة الداخلية، لا سيما في ظل تصاعد النيران السورية، واقترابها من الداخل اللبناني، بعد دخول الحزب طرفاً فيها، فحاول، ومِن أمام أبواب المحكمة الدولية، أن يفتح نوافذ الحوار، وتجاوز الملفات المعقدة، بما فيها مسألة مشاركة الحزب في الحرب الدائرة في سوريا… ولكن تلك المحاولة لم تلقَ التجاوب المنشود.
أعاد زعيم «المستقبل» المحاولة أكثر من مرّة، انطلاقاً من مبادئ والده الرئيس الشهيد، الذي كان يَعتبر أن الحوار هو السبيل الوحيد لمعالجة الإشكالات المزمنة بين اللبنانيين.
وكانت الدعوة إلى الحوار في صلب الخطاب الرمضاني للحريري، والذي أكد فيه معارضته لأي انتخابات، قبل انتخاب رئيس الجمهورية الجديد، إلى جانب تشديده على المواقف المؤيدة للجيش اللبناني في تصديه للأخطار والخلايا الإرهابية.
بقي الحزب على صمته، طوال تلك الفترة، من دعوات الحوار التي يطلقها الحريري، إلى أن كان الكلام النوعي الجديد في خطاب السيّد حسن نصر الله في ذكرى عاشوراء، عن مواقف «المستقبل» الداعمة للجيش في حربه ضد المنظمات الإرهابية، مشفوعاً بالدعوة للحوار «من دون شروط مُسبقة».
«التيار الأزرق» لم يُشكّك ولم يرفض الدعوة، ولكنه في مرحلة تريث، على اعتبار أن «سنونو واحدة لا تعني قدوم فصل الربيع»، على حدّ قول الرئيس فؤاد السنيورة، الذي يعتبر أن دعوة الأمين العام لحزب الله تطوّر مهم، يحتاج إلى درس مُتمعن، لتحديد نقاط الالتقاء الممكنة، على اعتبار أن الملفات الخلافية الكبيرة معروفة.
وثمة في أهل المستقبل من يعتقد بإمكانية التلاقي مع الحزب حول مواقع من شأنها أن تؤدي إلى انفراجات في البلد «إذا كان من غير الممكن الالتقاء في تخت واحد، من الممكن أن نكون معاً تحت سقف واحد لتحصين الجبهة الداخلية، وتمرير هذه المرحلة الصعبة بأقل قدر ممكن من الخسائر على البلد والناس»، على حدّ قول قطب نيابي في المستقبل.
ترى ماذا ينتظر الحوار بين المستقبل والحزب: إشارات خارجية، أم وصول «أسراب السنونو» حسب تعبير الرئيس السنيورة؟