لا تُقاس الدول والأنظمة بما ترفعه من شعارات، غالباً ما تكون من نوع التوظيف في الصراعات الداخلية على المكاسب والمنافع… وانما تُقاس بالأسس التي قامت عليها الدولة، وطبيعة النظام الذي اختارته لنفسها. وعندما يكون الأساس فاسداً، فمن الطبيعي أن يكون كل ما بُني عليه فاسداً أيضاً. وهذه هي حال لبنان اليوم. ومَن يقرأ يوميات السياسة اللبنانية لا بد له من أن يُصاب بالهلع، اذا كان المرء لا يزال يتمتع بحد أدنى من سلامة العقل والفهم والتحليل! ولبنان اليوم لم يعد ينطبق عليه أبسط معايير الدول. وضاعت فيه معالم النظام الذي اعتمده بعد التأسيس. ولم يعد شعباً متعدداً موحداً. والدولة تحولت الى مناطق نفوذ تم تقاسمها بين الزعامات. والنظام الديموقراطي البرلماني المعتمد ببطانة طائفية، تحول الى نظام مذهبي صريح يتناقض بطبيعته مع الديمقراطية. أما الدستور، فحدّث عنه ولا حرج، وتحوّل الى مجموعة دساتير، ولكل مجموعة سياسية دستورها الخاص بها! ولأن الأساس الذي قامت عليه الدولة والنظام كان الطائفية الفاسدة، فإن كل ما نراه اليوم من فساد مرعب، ومن تحلل لأسس الدولة، يعود الى تلك المرحلة التأسيسية، دون قيام جهود للخروج منه مع الأجيال اللاحقة…
***
الدول العربية الأخرى مرت في ظروف مشابهة، من حيث قيام التأسيس على أساس فاسد، كل دولة بحسب تكوينها وتركيبتها الخاصة. والصفة الغالبة على تلك الدول كانت اعتماد أنظمة لها أشكال مختلفة، ولكنها تقوم أساساً على السلطة المطلقة للحاكم، دون ضوابط ولا مكابح، بصرف النظر عما اذا كانت أنظمة جمهورية أم غير جمهورية. وبقي الوعي القومي غائباً، وحلت محله النزعات القطرية والفئوية. وبدلاً من العمل على قيام قوة عربية موحدة تحتل مكانتها المتقدمة بين دول العالم، وضعت الدول الوليدة نفسها في تصرف وخدمة دول عظمى وكبرى أخرى، نشداناً للحماية! وقاد ذلك الى تعميق الانقسام بين الأشقاء العرب، لا سيما في مرحلة الحرب الباردة الطويلة بين الجبارين، فضلاً عن قيام الكيان الصهيوني في فلسطين بدعم شرقي وغربي، كمصدر جديد للأخطار يهدد العرب في وجودهم ومصيرهم… وحالة الفوضى والفساد والانهيار في العالم العربي، ناجمة عن أساس البنيان الفاسد الذي قامت عليه، كما في لبنان…
***
في منظور بعض مراكز الاستراتيجية الدولية، ان ما تبقى من أنظمة عربية مستمرة منذ التأسيس، تدخل اليوم في مرحلة التخبط، وانها ستنهار في مدى زمني يتراوح بين عشر سنوات وخمس عشرة سنة… وبعد الوقوع في قعر الهاوية لا يبقى من خيار آخر سوى الصعود من جديد للخروج منها، والتطلع الى أفق عصري جديد!