تأبى ضريبة الدم إلا أن تلاحق ضباط وعناصر الجيش اللبناني على طول مساحة الوطن الممتدة من الحدود وصولاً إلى الداخل. هامات ترفض الركون والركوع للإرهاب المتمثل بأوجه عدة، فتختار طريق الشهادة بشرف وتضحية ووفاء لتعبر بالوطن إلى ضفّة آمنة لا دويلات خاصة فيها ولا مشاريع خارجية يمكن أن تستهدف أشرف المؤسسات ورجالها.
مرة جديدة امتدت يد الغدر أمس إلى المؤسسة العسكرية لتطال عسكريَّين أثناء دهم دورية تابعة لمديرية المخابرات ملهى ليلياً في منطقة المعاملتين بهدف توقيف عدد من المطلوبين كانوا مدججين بالسلاح ليبادروا على الفور إلى إطلاق النار باتجاه الدورية التي ردت عليهم ما أدّى إلى استشهاد الرقيب أول مارون انطانيوس خوري والجندي ميشال زكي الرحباوي (والده استشهد أيضاً في حرب «نهر البارد«)، ليُسطّرا بشهادتيهما بطولات لم تقف عند الخطوط الحمر ولم ترضخ لتهديدات سعت طيلة السنوات الماضية لتحجيم دورها في مواجهة التشبيح المتنوع والمتمدد.
في حرب نهر البارد خاض الجيش أولى معاركه الواقعية والفعلية ضد الإرهاب، خرج بعدها منتصراً ومؤيداً بنصر من الشعب كلّه رغم الجراح التي أثخنته يومها من جراء استشهاد مئة وسبعين ضابطاً وعنصراً في صفوفه. لكن يد الإرهاب انتقلت بعدها إلى صيدا، إلا أن يد الجيش كانت حاضرة أيضاً هناك لتضرب بيد من حديد، وليواجه نار الفتنة مجدداً بمعمودية جديدة من الدم ما زالت مستمرة حتى اليوم في جرود عرسال حيث يواجه هناك الإرهاب بكل أشكاله وذلك في سعي مستمر منه للدفاع عن البلد وحفظ استقراره الداخلي وبقائه كخط دفاع أول وأخير لمنع انهيار لبنان وانزلاقه نحو المجهول.
عند كل مخاض عسير يمر به البلد يتأكد للبنانيين أكثر فأكثر مدى حاجتهم الى مؤسسة عسكرية تذود عنهم بلا مقابل، مؤسسة لا تُمنّن شعبها بإنجازات سطرتها بدماء رجالها ووهبت تاريخها وحاضرها ومستقبلها لخدمة البلد ووحدته بعيداً عن الحسابات والمحسوبيات والشعارات المستوردة. مؤسسة هبّ بالأمس كل لبنان بكل أطيافه وتلاوينه وبجزءيه السياسي والمدني، ليقف وقفة واحدة معها بعدما لامست رواتب أبنائها حد التأخر لفترة لم تزد عن يومين، ما يؤكد مدى الحصانة الشعبية التي تتمتع بها مؤسسة الجيش والتي تُرجمت على أرض الواقع بمساعدات عسكرية دولية ما زالت مستمرة لغاية اليوم ومن خلال الحملات الشعبية التي ترافقت مع خوضه الحرب ضد الإرهاب على الحدود والتي أعلن خلالها اللبنانيون وعلى رأسهم أبناء بلدة عرسال، استعدادهم للوقوف أمام الجيش في معركته هذه وليس خلفه كما حاول البعض أن يُشيع يومها.
شهيدا الجيش اللبناني اللذان سقطا أمس، لم يكونا الوحيدين على لائحة القتل المفجع، فقد سبقهما على الطريق نفسه آخرون كانوا يُنفذون تعليمات الوطن فسقطوا ضحية السلاح المتفشي غير المنضبط تنظيمياً وأخلاقياً، والطريق هذه كانت بدأت بقتل الضابط الطيار سامر حنّا واستكملت لاحقاً بمحاولة استدراجه الى حرب استنزاف في طرابلس وبعدها صيدا واليوم في بيروت على يد شلّة من حملة السلاح «المقدس» وهذا ما أظهرته صور عدد من المطلوبين الذين قُتلوا خلال عملية الدهم على صفحات التواصل الاجتماعي وهم يمتشقون السلاح ويرتدون بزات عسكرية تُشبه تلك التي كان يرتديها تاجر المخدرات نوح زعيتر يوم زار جبهة «القلمون» تحت حماية ورعاية أصحاب السلاح غير الشرعي.
بالأمس مرّ خبر استشهاد خوري والرحباوي مرور الكرام على عدد من وسائل إعلام «الممانعة»، كما احتلت الاستفزازات مساحات واسعة على مواقع التواصل الخاصة بذوي ورفاق القتلى الآخرين، فمنهم من جعلهم شهداء ومنهم من استبشر بفتح أبواب الجنة لهم، وحدهم أهالي العنصرين الشهيدين كانوا ينتظرون سماع استنكارات تدين السلاح المتفلت والتلطي خلف شعارات «المقاومة» ومواقعها في الجرود، وإدانة عملية قتل متعمد أبطالها مطلوبون بـ11 بلاغ بحث وتحرٍ وست مذكرات توقيف، لارتكابهم جرائم منظمة بحماية من أصحاب السلاح وشبكاته الممتدة من داخل البلد الى أقصى حدوده.