Site icon IMLebanon

متى كان الوصف مغلوطاً قانونياً

يشكل قرار مجلس التعاون الخليجي اعتبار «حزب الله» إرهابياً «بكافة قادته وفصائله والتنظيمات التابعة له والمنبثقة عنه» بحسب القوانين الخليجية، تجنّياً واضحاً على أصولٍ معتبرةٍ في القانون الدولي بدأ تقويضها عندما اعتبر قرار مجلس الأمن رقم 1368 في 12 أيلول 2001 المجزرةَ التي قام بها مواطنون أغلبيّتهم الواسعة من تابعية سعودية ضدّ مئات الأبرياء في نيويورك «عملاً ارهابياً». والخطأ العضال في توصيف تلك الجريمة بالإرهابية استمرت تداعياته الوخيمة في الفضاء الدولي منذ ذلك الحين، وحتى ما آلت اليه دول التعاون الخليجي في قرارها الخاطئ أمس ضد «حزب الله».

فالمشكلة في ذاك التوصيف واستمراره قائماً ما ينتج عنه من حقِّ دولة معينة في متابعة المتهمين بالجريمة مهما فعلوا وأينما انوجدوا، وقد حذت المملكة العربية السعودية هذا النحو المغلوط في قانون سنتّه ضد الإرهاب عام 2014. هذه القوانين والقرارات تؤدّي الى استفرادِ الحكومة الأجنبية بشخص أو مجموعة من الأشخاص تراها معاديةً لها من دون أي إجراء فعلي يمكنهم اتخاذه قانونياً بمقابل التهمة القاتلة. فتعتبر الحكومة حقاً منوطاً بها معاقبة المتّهم، بغضّ النظر عن محدودية وقع الجريمة المناطقي في النظام العالمي بضوابط معتمدة منذ عشرات السنين. وهذه الضوابط لا تسمح لجهاز قضائي وطني أن يتجاهلها للإقتصاص من العدو السياسي من دون اعتبار للنطاق المحدود الذي يحتاج اليه النظام الدولي لمنع نشوب الفوضى والحروب بدون رادع أو قيد.

والتوصيف بالإرهاب مخطئ أصلاً في وجهين أساسيين: الوجه الأول عجز الدول في التوافق على تحديد أركان جريمة تسمى بـ «الإرهاب». ومن المعروف في الإجتهاد، ولا سيما الإجتهاد الغربي والدولي، أن جريمة الإرهاب لم ترَ في القرنين الماضيين اللذين تبعا نشوءها في خضمّ الثورة الفرنسية على لسان روبسبيير Robespierre تحديداً قانونياً وافياً، ولا يزال العالم عاجزاً عن فهمها بموضوعية.

وقوانين الإرهاب Terreur المشؤومة عام 1793، والتي قضى على أثرها مئات المواطنين الفرنسيين من دون محاكمة، كانت سياسةً حكومية صرفة، وما تهمة الخصم بالإرهابي سوى تمادٍ لا حدود له، ينتهي بحقّ الحكومة في التخلص منه جسدياً. هذا ما نراه اليوم ممثلاً اعتباطاً في من يرى نفسه بموقع القوة، أكان حاكماً في أمره في اسرائيل أو إيران أو السعودية. ولذلك فقد اتّفق فقهاء القانون الدولي عموماً على استحالة مقاربة قانونية لجريمة الإرهاب يمكن تحديد عقابها بشكل موضوعي.

أما الوجه الناقص للإرهاب الثاني، فهو ما نعرفه في تاريخ الشعوب القريب من نعْتِ كل من حمل السلاح ضد الطغيان أو الإستعمار بالإرهابي الخارج عن القانون. ونتيجة لهذا التناقض مع حقّ الناس في المقاومة المسلحة ضدّ الاستبداد والاستعمار، أخفق العالم في الإتفاق على معاهدة تشمل ما يسمى بالإرهاب في تعريف واضح موضوعي موحّد تعمل فيه الدول على معاقبة استفحال العنف في العالم. أما أن تقرر دولة ما، كما دول الخليج بالأمس، أن شخصاً أو مجموعةً موصوفة بتهمة الإرهاب، فهذا تعدٍّ مضاعف على المفاهيم القانونية الدولية الأساسية لتعامل الدول فيما بينها بالمثل. فلا نرى شيئاً اليوم يمنع حكومة الجمهورية الإسلامية في ايران أن تحذو حذو دول الخليج وتعتبر مثلاً هيئةً من العلماء السعوديين من أهل السلف منظمة إرهابية، أو حتى مجموعةً حكومية رسمية كهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وبمثل هذه الحال، أن ترى نفسها مخوّلة في معاقبتهم أو قتلهم أينما وجدوا في العالم.

وهذه التوصيفات أيضاً خاطئة لأن الحقل الدولي قد أنتج رديفاً مقنعاً في توصيف مقنع لجرائم طابعُها دوليّ عن طريق مفهومين ثابتين، لا غبار عليهما في المنطق القانوني، هما ما يسمى «بالجريمة ضد الإنسانية» ـ وتحديدها عمل إجرامي يقضي به عدد كبير من المدنيين الأبرياء ـ و «جريمة الحرب» ـ وتحديدها في المعاهدات ضرورة تعامل إنساني يعاقَبُ خرقُه، مثلاً قتل الجندي الموقوف أو محاصرة المدن ومنع الطعام أو الدواء عن أهلها.

لا تنفرد دول الخليج في تجاهل المرتكزات القانونية السليمة في القرار الذي اتخذته بالأمس. غير أن تجاهل ما كان أحرى وصفاً في جرائم يمكن للجميع أن يتفقوا عليها مفضٍ الى لغط قانوني يحمل نتائج جميع اللبنانيين بالغنى عن وخيم وقعها.

محام دولي وبروفسور في القانون. درّس موضوع الإرهاب في كليتي الحقوق في «هارفرد» و«يال».