«حزب الله» و«المستقبل» يتهيّبان البديل
عندما يصبح الحوار «شراً لا بد منه»!
من تسنى له رصد مزاج بعض قياديي «حزب الله»، قبيل الجلسة الثامنة من الحوار، انتابه شعور بأن منسوب القرف لدى الحزب، ارتفع الى حد بات يصعب معه استكمال «سهرات» عين التينة.
ومن تمعن في البيان الصادر عن «كتلة المستقبل النيابية»، عشية معاودة الحوار، أحس بأن وفد «المستقبل» سيذهب في اليوم التالي الى محكمة، وليس الى جلسة حوار.
وحتى في يوم انعقاد الجلسة الثامنة توالت الحرب الكلامية فصولا، وفُتحت جبهة جانبية بين الوزير أشرف ريفي وعضو «كتلة الوفاء للمقاومة» النائب علي فياض.
وحده الرئيس نبيه بري، كان واثقا منذ إطلاق «الرصاصة الاولى» في ان العاصفة ستمر على خير، مهما اشتدت رياحها وأمطارها.
راهن بري على مناعة الحوار وربح الرهان. صحيح ان رئيس المجلس لم يخف انزعاجه من إطلاق النار السياسي العشوائي الذي استهدف طاولة عين التينة، لكنه كان يدرك في الوقت ذاته ان الحوار يرتدي سترة واقية من الرصاص، من شأنها ان تحميه في اللحظات الحرجة.
وبالفعل، ما ان انعقدت الجلسة الثامنة، حتى بدأ المناخ يتغير تدريجيا في أرجاء الغرفة التي تستضيف الحوار.
هدأت الأعصاب، واتسعت مساحة الإصغاء المتبادل، واستعاد المتحاورن الكيمياء التي كادت تضيع في مهب السجالات. وهناك من يقول ان الأجواء التي سادت الجلسة الثامنة تختلف كليا عما ساد خارجها على مدى الايام الماضية، وكأن التجربة التي خاضها المتحاورون منذ بداية المشوار، وما رافقها من توطيد للعلاقات الانسانية وللتفاعل الشخصي، جعلت مجموعة عين التينة تكتسب دينامية خاصة بها ورصيدا مشتركا تصرف منه في أوقات الشدة.
ترنح الحوار على حافة الهاوية، لكنه لم يقع، لان وظيفته التي تكاد تكون إقليمية، بقدر ما هي محلية، لم تنته بعد.
وكما ان حكومة الرئيس تمام سلام تهتز من حين الى آخر، لكن من دون ان تسقط، هكذا هو شأن الحوار الذي مر وسيمر في مطبات هوائية، لكن سقوطه ممنوع حتى إشعار آخر.
لا أحد أصلا من بين المتحاورين مستعد لتحمل مسؤولية إجهاض فرصة الحوار، في مرحلة تصاعد الاحتقان المذهبي على مستوى المنطقة كلها، حيث تعاني دول كثيرة من التمزق الداخلي ومن الانكشاف على مخاطر الارهاب والتطرف، الامر الذي يجعل أي تلاق سني – شيعي في ظل هذه البيئة «امتيازا»، لا يصح التفريط به.
ربما يُقبل البعض على الحوار من دون شهية، خصوصا وسط الهواجس المتبادلة والافتراق العميق بين مقاربتي «حزب الله» و «المستقبل» للأزمات الداخلية والاقليمية، لكن في نهاية المطاف لا خيار سواه، ولو على قاعدة انه «شر لا بد منه».
ولعل تخيل السيناريو البديل كفيل بإدراك أهمية جلسات السمر السياسي في عين التينة. أقله، بات الحوار بمثابة «مرجعية» لأطرافه، تعود اليه للشكوى والعتاب والمراجعة ومناقشة الهواجس والتدقيق في المواقف المعلنة، بينما كان الكلام قبلا من دون جمرك، يلقى على عواهنه من فوق المنابر.
وهكذا، بدا وفد «المستقبل» معنيا في الجلسة الثامنة بتقديم تفسيرات وإيضاحات حول التصاريح والبيانات، المرتفعة السقف، التي صدرت عن التيار الازرق خلال الايام الماضية، تماما كما ان وفد «حزب الله» كان معنيا بأن يشرح وجهة نظره حيال المسائل التي تسببت بانزعاج في صفوف «المستقبل».
في الاساس، لم يرفع المتحاورون سقف التوقعات. والارجح ان التمسك بهذه الواقعية هو من الشروط الضرورية لضمان استمرارية الحوار أطول وقت ممكن، على قاعدة محاولة تنظيم الخلافات، وتخفيف الاحتقان، وتحصين الوضع الامني، وإجراء تمارين ذهنية في مادة الاستحقاق الرئاسي.
هذا ما يمكن ان تنجزه «محطة التكرير» السياسي المستحدثة في عين التينة. ربما تكون النتائج الممكنة متواضعة، لكنها تظل بالتأكيد أفضل من توقف الحوار، لان من شأن فشله الآن ان يترك آثارا سلبية أسوأ من تلك التي كانت ترخي بظلالها على الساحة الإسلامية في لبنان، قبل انطلاق الحوار.
الاستسلام للفشل لن يعني – كما يؤكد المتحمسون للحوار – سوى تعميم الفوضى السياسية، وتغذية التوتر المذهبي، وتنشيط التطرف وإعادة إنتاج بيئات حاضنة له. والأسوأ من كل ذلك، ان رئيس الجمهورية المنتظر سيغدو أبعد، وان عودة الرئيس سعد الحريري الى السرايا ستصبح أصعب.