لماذا اقتنع الحريري بأنّ لا قدرة له على مواجهة خصومه؟
عندما ينتهى زمن أحاديّة التمثيل السنّي في لبنان
كثيرةٌ هي المؤشّرات على أنّ زمن أحادية التمثيل السنّي في لبنان قد انتهى، وذلك بعد نحو عشر سنوات من «الوكالة الحصرية» التي أعطيت للرئيس سعد الحريري. هو استخدمها بكلّ مندرجاتها في الاستحقاقات السياسية والانتخابات النيابية، وفي التعاطي مع الخصوم والحلفاء، وحتى مع القيادات السنية الأخرى.
وعليه، قد لا يكون مخطئاً الرئيس فؤاد السنيورة عندما كان يُنقل عنه قوله سابقاً «إنّ العمل السياسي ضمن الطائفة السنية يكون من خلال «تيار المستقبل»، والعمل الديني يكون من خلال دار الفتوى».
ويبدو واضحاً أن الانفتاح المستجد للرئيس الحريري على القيادات السياسية السنّية لم يكن وليد قناعة منه بضرورة الحفاظ على التعددية السنية التي حاول على مدار عقد من الزمن إطاحتها واختصارها بشخصه. وإنما جاء نتيجة عدة عوامل بدءاً من «الضبابية» السعودية في التعاطي معه، مروراً بالأزمة الماليّة التي تتنامى يوماً بعد يوم، وصولاً إلى تراجع شعبيته التي ظهرت بوضوح في الانتخابات البلدية الأخيرة وبشكلٍ أوضح في طرابلس والضنيّة.
وبات معروفاً أن الأزمة المالية للحريري مستمرة الى أجل غير مسمى، وأن ثمة عطباً بنيوياً في المنظومة المالية، في ظل العجز المسيطر على شركة «سعودي أوجيه» والذي لم يعد من الممكن معالجته أو تدارك تداعياته الكارثية على الموظفين الذين يخرجون عن طورهم بين الحين والآخر ويعبّرون عن غضبهم بحرق وتحطيم مكاتب وسيارات ومعدات الشركة التي تتجه، بحسب مطلعين، إما إلى الاقفال أو الى البيع.
هذا الواقع جعل الحريري يقتنع بأنه لم يعد قادراً على مواجهة خصومه، أو على خوض أي استحقاق انتخابي في أي منطقة من لبنان حتى تلك التي كان يعتبرها خزّاناً لتياره، من دون رافعة شعبية أو حليف قوي.
لذلك، وجد الحريري أن النأي بالنفس عن الانتخابات البلدية في البقاع وعدم استفزاز النائب السابق عبد الرحيم مراد من خلال ترك الأمور للعائلات، ومسايرة «الجماعة الإسلامية» في صيدا والإقليم، كل ذلك من شأنه أن يحفظ ماء وجهه. كما أن التحالف مع الرئيس نجيب ميقاتي في طرابلس يحمي حضوره ومكتسباته قبل أن يُفاجأ بالخسارة القاسية التي ألحقها الوزير أشرف ريفي بالتحالف السياسي والتي لم تكن بالحسبان.
لكن الحريري خلال زيارته طرابلس راح أبعد من ذلك، فزار ميقاتي في دارته، وشدد على ضرورة التعاون والتنسيق معه، ليطوي بذلك خمس سنوات من الحرب المفتوحة التي خاضها ضد ميقاتي على خلفية ترؤسه حكومة «قولنا والعمل». وتشير عودة المياه الى مجاريها بين الرجلين الى أن العلاقة المستقبليّة بينهما ستخضع لشروط ميقاتي لا سيما في حال تطوّرت إلى تحالف في الانتخابات النيابية المقبلة.
ويمكن القول إنّ رغبة الادارة السعودية في الانفتاح على كل القيادات السنية في لبنان بعد عشر سنوات من «الحصرية الحريرية»، قد أعفت «زعيم المستقبل» من الإحراج. فبدت خطواته الانفتاحية «الاضطرارية» تحقيقا لهذه الرغبة.
ويقول مطلعون على أجواء المملكة إن الإدارة السعودية وجدت أن الأحادية السنية في لبنان لم تعد تجدي نفعاً، ولن تعد تحقق مصلحتها. لذلك كان قرار الأمراء الجدد بالانفتاح على كل القيادات السنّية والتعاطي معها بشكل إيجابي ودعوتهم الى ترتيب البيت السني، لكن من دون أي ترجمة عملية لذلك، بانتظار كيف ستتنافس هذه القيادات في تقديم الخدمات السياسية إلى المملكة.
ويبدو جلياً أنّ الرئيس نجيب ميقاتي التقط بعض هذه الإشارات السعودية على طريقته. فتعاطى مع شعار ترتيب البيت السني بإيجابية، إذ تعاون مع ابن الشهيد رفيق الحريري، وجمع قيادات طرابلس ضمن تحالف بلدي بهدف تجنيب المدينة معركة انتخابية، وأعاد الاعتبار للوسطية والاعتدال، ليلاقي غزلاً سعوديّاً تُرجِم بتبادل الزيارات بينه وبين السفير علي عواض عسيري أكثر من مرة.
كما التقط ريفي هذه الاشارات على طريقته فاستقال من الحكومة، ورفع سقف خطابه السياسي الى أقسى حد ضد «حزب الله»، ووضع انتصاره في الانتخابات البلدية في طرابلس بين يدي السعوديين، وكذلك النائب محمد الصفدي الذي تتقاطع مواقفه مع الرغبة السعودية.
وتؤكد مصادر مطلعة أن المصالحة بين الحريري وميقاتي وسعيهما من أجل توحيد الساحة السنية مع الحفاظ على تنوعها، من شأنها أن تعيد انتظام الحياة السياسية ضمن هذه الطائفة، مضيفين أنّه قد تشهد المرحلة المقبلة لقاء سنياً جامعاً وفقاً للثوابت الوطنية، أو يستمر الصراع الذي سيكون أشرف ريفي رأس حربته.