IMLebanon

عندما يلتقي الجنرال والحكيم.. صدفة!

كثيرة هي الأسباب التي دفعت بسمير جعجع إلى تأييد خصمه اللدود ميشال عون في مبادرته الأخيرة. وحده الرجل من دون غيره من قوى «14 آذار»، هزّ رأسه نزولاً تطييباً لطرح التحدي الذي خرج من الرابية، حين قرر جنرالها قبول المنازلة، والتوجه إلى البرلمان بصفته مرشح فريقه السياسي، والاحتكام لأصوات الصندوقة الخشبية، شرط أن تكون المباراة محصورة بينه وبين «حكيم معراب».

أما في «القاموس الأزرق»، فقد بدا الأمر مختلفاً. تعددت الأعذار والحجج، لكن النتيجة واحدة: لا للطرح البرتقالي، جملة وتفصيلاً. لا مجال لمناقشته، أو حتى منحه القليل من التفكير. رُدّ سريعاً مع الشكر.. وكأنّ «تيار المستقبل» تخطى عتبة «الخجل» مع رئيس «تكتل التغيير والإصلاح».

لم يعد هناك من دواع للياقات الاجتماعية والمجاملات. بنظرهم خرج الجنرال من الحلبة بمجرّد اعترافه بالفيتو السعودي ضده، وبالتالي لا خوف على خيط الحوار الرفيع، ما دام الرجل قطعه من جانبه. وهكذا تُرذل المبادرة وتدفن في أرضها.

لكن لـ«القوات» اعتبارات أخرى تملي عليهم السباحة عكس مجرى حلفائهم. مرة جديدة لا يواجهون حرجاً في التغريد خارج سرب «14 آذار»، إذا كانت مصلحتهم تقتضي ذلك، حتى لو تلاقت مع خط خصمهم الشرس. فلا مانع من تقاطع موضوعي يسدد لمعراب بعض حساباتها.

لا حاجة لمن يقول لسمير جعجع إنّ ترشيحه لن يُصرف في البرلمان. هو يعرف ذلك كما يعرف شركاؤه وخصومه. يدرك جيداً أنّ «الإقصاء الديموقراطي» لرفاقه عن مسرح الترشح لن يحمله إلى قصر بعبدا مهما طال زمن الشغور الرئاسي، وقَلَبَ «الدواعش» ومن لفّ لفيفهم المعادلات الإقليمية. لترشيح رئيس «القوات» فلفسة مغايرة، قد لا تظهر ترجمتها إلا بعد ست سنوات، هذا إذا لم يطل عمر الشغور، أشهراً وأشهراً.

بهذا المعنى، كان من الطبيعي أن يحتضن القواتيون مبادرة ميشال عون ويأخذونها بالأحضان. فهي كرســت، عملــياً، ندية المنافسة بين الخصمين. هما وحدهما يتمتعتان بصفة «القــوّة»، وفق توصيف المبادرة، وممثلا طائفتهما. لا مكان لثالث بينهــما. ولهذا ســرعان مـــا ابتســم القواتــيون فور سماعــهم الجــنرال يتحــدى «حكيمــهم» بالمــنازلة تحــت قــبّة البرلمـــان.

لا تكمن هنا فقط فوائد هذا الطرح، وفق القواتيين، لا بل له ثمار أخرى. فهو بمثابة «شهادة حسن سلوك» لترشيح سمير جعجع مقدّمة من خصمه ميشال عون، بعد الشهادة المماثلة التي سطرها الرئيس نبيه بري من خلال تجيير التمثيل الميثاقي لمصلحة رئيس «القوات»، ها هو الجنرال يزيد طابعاً إضافياً على طوابع «الشهادة».

أما ما لم يُقرأ في المبادرة، فقد بدا جلياً في خطابات «رفاق» جعجع، لا سيما الموارنة منهم. بالنتيجة، فإن ما قدمه الجنرال من أفكار يحاول من خلالها الهروب من تهمة تعطيل الاستحقاق، شطب بقية الموارنة الطامحين عن لائحة الترشيحات الرئاسية بعدما حصر السباق باثنين فقط. وهذا ما يعني أنه لا حظوظ للرئيس أمين الجميل، ولا حــتى للوزير بطرس حرب، على سبيل المثال، في الانتــقال من مربــع «مشــروع مرشح»، إلى مرشح جدي.

لقد أخرجهم الجنرال عن الحلبة قبل أن تطأها أقدامهم. ومن الطبيعي أن يلاقيه «الحكيم» إلى منتصف الطريق، ويصفق له ترحيباً بما حققه له. ومع أن هذا الالتقاء، هو صدفة، إلا أنّ هناك من يحـــاول وشوشة ميشال عون في أذنيه، لإقناعه بفوائد التلاقي ولو المؤقت مع معراب. يقول له إنّ الطريق إلى بعبــدا مقفــلة أمام الرجــلين، ومــا من مؤشــرات قد تثبت العكس.

ولكن هذا لا يعني أنّهما ليسا قادرين على الالتقاء في مكان وسط يحمي ظهريهما. بنظر صاحب هذ الكلام، فإنّ احتمال حصول اتفاق بين «المستقبل» و»حزب الله» بمسعى من رئيس المجلس، ليس مستحيلاً، لا بل هو وارد دوماً.

وقد يكون من المنطقي استباق هذا السيناريو من خلال اتفاق عوني – قواتي يسمي رئيس الجمهوية. سبق لجعجع أنّ لمح في أكثر من مناسبة إلى أنّه مستعد لمسعى تشاوري مع رئيس «تكتل التغيـــير والإصلاح» قد ينتج سيداً جيداً لبعبدا. ولكن حتى اللحظة يدير الجنرال «الأذن الطرشاء».

أما سعد الحريري، الذي يفترض أن يضفي مزيداً من الوضوح على مبادرته الحوارية، خلال إطلالته الإعلامية يوم الخميس المقبل، فلا يبدو أنّه بوارد التخلي راهناً عن ترشيح جعجع. ليس دفعاً بالأخير باتجاه القصر الرئاسي، وإنما من باب رفع سقف موقفه التفاوضي.. قبل الدخول في مربع التنازلات.