ان يعمل «حزب الله» كحزب لبناني على تنفيذ المخطط الايراني بحذافيره، واتخاذ قرار التدخل العسكري في الحرب السورية، وخرق قرار الدولة الشرعية وضرب مبدأ حيادها عرض الحائط، وسعيه الدؤوب والمتواصل منذ اكثر من اربع سنوات على خرق سيادة الحدود اللبنانية بنقل عتاده الحربي، وجر آلاف الشباب اللبنانيين الى الداخل السوري، وارتكابه جرائم حرب ضد الشعب السوري دفاعاً عن نظام بشار الاسد، واستجرار الكوارث الانسانية والاقتصادية والارهابية على اللبنانيين، فكل هذا لم يكن وليد «قرار من تحت الطاولة ولا داعي لاي تفويض رسمي يستحصل الحزب عليه من الحكومة اللبنانية» بنظره، لا بل ان مجرد طرح هذا الملف على طاولة مجلس الوزراء في عهد حكومة الرئيس تمام سلام والتي اقرت في بيانها الوزاري مبدأ النأي بالنفس، كان كفيلاً بتهديد وزراء الحزب مراراً بالاستقالة وتفجير الحكومة برمّتها، ليحصر بذلك سلطة الشرعية الايرانية لا غير على قراره.
استسهل «حزب الله» لسنوات تحويل هيبة الدولة وقراراتها الشرعية الى لعبة عرض وطلب في بازار مصالحه السياسية، وفيما لم يأبه لقرار الشرعية اللبنانية الجامعة بمعارضة تدخله في الحرب السورية، بات اليوم يطلب من الحكومة اللبنانية «تكليفاً رسمياً» للعب دور الوسيط بينها وبين الحكومة السورية في ملف اعادة اللاجئين الى ديارهم. مواقف الحزب التصاعدية في هذا الاطار كانت قد بدأت بخطاب لأمينه العام السيد حسن نصرالله في شباط الماضي حيث دعا الحكومة اللبنانية «إلى التنسيق مع الحكومة السورية لإعادة النازحين إلى مناطقهم بعدما باتت مساحات كبيرة فى سوريا آمنة وهادئة»، لتصل ذروة مطالب الحزب على لسان نائب امينه العام الشيخ نعيم قاسم الذي اكد قبل ايام على ان «الحزب جاهز للعب دور الوسيط ولكن بتكليف رسمي من الحكومة اللبنانية، وليس بقرار من تحت الطاولة»، مضيفا ان «العودة لا يمكن ان تتم الا بالتنسيق بين الحكومتين اللبنانية والسورية».
خمس سنوات تقريبا ساهمت الى جانب تخطي اعداد اللاجئين السوريين في لبنان المليون ونصف المليون لاجىء، تحولت اماكن لجوئهم ومخيماتهم المكتظة الى قنابل موقوتة قابلة للانفجار في اي وقت. مجموعات ارهابية اتخذت من المدنيين السوريين العزل كما الشعب اللبناني رهينة قيّمة ومسرحا لعملياتها الانتحارية، فيما استطاع الجيش اللبناني وباقي الاجهزة الامنية الحد من خطورتها وتعقبها في الكثير من الاحيان وتفكيك شبكات وضبط ارهابيين، كان آخرها العملية الاستباقية التي نفذها الجيش في مخيم عرسال للاجئين انتهت بالقبض على العديد من المطلوبين الخطرين وتفجير ستة انتحاريين انفسهم اثناء المداهمات.
اكتظاظ الاراضي اللبنانية باللاجئين السوريين قابله تفريغ مدن وأحياء بأكملها من سكانها، وفق خطة تهجيرية ممنهجة بالقتل والتجويع والتعذيب، كان «حزب الله» أداتها التنفيذية الاقوى الى جانب القوات الايرانية والسورية النظامية، ليعمد بتقيّته المعهودة بعد اتمام مهمته على طرح نفسه صراحة كوسيط لعودة السوريين الى اراض ما زالت حتى اليوم محتلة من قبل عناصره. بديهية الحزب في التعاطي مع اللبنانيين طالت الشعب السوري ايضا هذه المرة، هو الناكر للشرعية وطالبها، هو القاتل وهو البريء، هو المعتدي وهو نفسه المنقذ هو المهجر وهو المحتل وهو الساهر على مصالح النازحين للعودة الى منازلهم.
بالتأكيد ان اعداد النازحين السوريين في لبنان على وجه الخصوص فاق امكانية حل الازمة بشكل جذري، الثقل السكاني والاقتصادي والامني تضخم عبر السنين وبات اكبر من ان تتحمله الدولة والمجتمع اللبناني على حد سواء، مما يضع اكثر من مليون ونصف المليون سوري امام حتمية العودة الى بلدهم في اسرع وقت ممكن، ويرفع الصوت في وجه المجتمع الدولي ومنظمات الامم المتحدة لايجاد ارضية سريعة للتفاوض مع الحكومة السورية والروسية والدفع الى تأمين مناطق آمنة تضمن عودتهم الى بلدهم. اما «حزب الله» الذي لم يلتفت الى رأي الحكومات اللبنانية المتعاقبة منذ احتلاله الاراضي السورية وتهجير اهلها، فلن تنفعه مطالبة الحكومة بتفويض رسمي له وشرعنة عمله «الانساني» هذه المرة مع حكومة سورية استفاضا سوياً في ايصال اللبنايين والسوريين معا الى هذا الدرك.