«قُل لي ما هو قانونك الانتخابي.. أقُل لك من أنت»
عندما تتحول النسبية إلى آلة «كشف الكذب»
يبدو التجاذب حول الأحجام والحصص في الحكومة المقبلة مجرد غبار سياسي أو زوبعة في فنجان، قياسا الى التحدي الأكبر المتمثل في قانون الانتخاب الذي بات أقرب الى آلة «كشف الكذب»، باعتباره الأقدر على اختبار صدقية الشعارات الإصلاحية والطروحات البراقة التي ترددها القوى السياسية ليل نهار.
إنه الامتحان المفصلي الذي على أساسه يكرم المرء أو يهان، وقد لا يكون من المبالغة المضيّ في الفرز الى حد اعتماد القاعدة الآتية: «قُل لي ما هو قانونك الانتخابي، أقُل لك من أنت».
هنا تحديدا، تكمن المعركة الحقيقية التي تتخذ بالنسبة الى بعض الأطراف طابعا وجوديا، كما هي حال النائب وليد جنبلاط الذي يُسجل له أنه لا يخفي حقيقة قناعاته ومصالحه تحت مساحيق التجميل، ولا يجد حرجا في المجاهرة برفضه اعتماد النسبية الشاملة التي يرى فيها تقزيما لنفوذه، مفترضا أن قبوله بالمشروع المختلط، مع أرجحية للأكثري، هو تنازل بحد ذاته.
وما يبوح به جنبلاط علنا، يضمره الرئيس سعد الحريري الذي يرفض النسبية الكاملة بحجة أن استحواذ «حزب الله» على السلاح يمنع تطبيقها بنزاهة ويحول دون تكافؤ الفرص بين المرشحين، فيما السبب الحقيقي للرفض يتمثل في معرفة الحريري أن النسبية الشاملة ليست سوى وصفة لـ «ريجيم» قاس، من شأنه خفض الوزن العددي لكتلة المستقبل وإزالة «الدهون» النيابية التي أدت الى انتفاخ حجم الكتلة مسيحيا بفعل القوانين المعتمدة على النظام الاكثري.
وإذا كانت «حركة أمل» و «حزب الله» يستطيعان التكيف مع أي قانون انتخابي وبالتالي فهما يتحمسان للنسبية حتى أقصى الحدود، فإن «القوات اللبنانية» قد تكون الأكثر استفادة منهما على الصعيد المسيحي باعتبار أن هذا النظام الانتخابي يسمح لها بتظهير حجمها الحقيقي من دون تبرعات أو صدقات سياسية من أحد، ما يستدعي منها أن تكون أكثر شراسة في موقفها وأن تنخرط بكل طاقتها في معركة إسقاط «الستين» الذي لا ينصفها، وإن يكن تحالفها مع «التيار الوطني الحر» يساهم في تقليص أضراره ورفع منسوب التمثيل المسيحي الصافي، إنما من دون أن يصل الى 64 نائبا.
بالنسبة لـ«التيار الحر» ليست النسبية مجرد صيغة انتخابية عصرية وعادلة تنسجم مع أدبياته السياسية، بل إنها إحدى أدوات القياس الاساسية التي ستُعتمد في اختبار عهد الرئيس ميشال عون والحكم عليه سلبا أم إيجابا. بل إن سمعة العهد وصورته تتوقفان على طبيعة قانون الانتخاب الذي سيشكل معيار التقيد بـ «الإصلاح والتغيير» من عدمه.
يكفي أن ينجح الرئيس ميشال عون في الدفع نحو وضع قانون مُنصف وفق النسبية، خلال الاشهر الاولى من ولايته، حتى يكون قد حقق نوعا من «الاكتفاء الذاتي» لعهده على مدى السنوات الست المقبلة، فيما الإبقاء على «الستين» سيوقعه في عجز الموازنة.. الوطنية.
بهذا المعنى، إن إقرار قانون انتخاب يلبي الحد الادنى من تطلعات اللبنانيين ويكسر «الوكالات الحصرية» نيابيا وسياسيا، سيكون بمثابة انجاز نوعي يمكنه أن يعوض عن أي اخفاق محتمل للعهد لاحقا، وان يغفر له الاخطاء التي قد يرتكبها، علما أن وجود مجلس نيابي منتخب على قاعدة النسبية، سيسهل كثيرا مهمة رئيس الجمهورية الذي يحتاج الى التفاعل مع سلطة تشريعية حيوية، تستطيع مجاراته أو معارضته.
وأمام خطورة هذا الاستحقاق، يصبح من الملحّ أن تُبنى الاصطفافات والتحالفات السياسية في هذه المرحلة على قاعدة من هو مع قانون انتخابي عصري ومن ضده، وحينها قد يلتقي خصوم ويفترق حلفاء وتتكشف نيات وتسقط أقنعة، أما غير ذلك فليس سوى عبث و «طق حنق».