غداً يحل عيد القيامة المجيدة عند الطوائف الكاثوليكية في مشارق الأرض ومغاربها. فيحتفل المسيحيون بقيامة السيد المسيح من القبر منتصراً على الموت، (قاهراً الموت بالموت) في حدث هو الأكبر في تاريخ الكنيسة والبشرية منذ نحو ألفي سنة ونيف. وهو الحدث (القيامة) الذي تقوم عليه الكنيسة والذي لا معنى حقيقياً للدين المسيحي من دونه.
طبعاً، لسنا في وارد بحث لاهوتي لا تتحمله هذه العجالة. فقط أردنا أن ننطلق منه لنشير الى أننا في لبنان غارقون في موات شبه مزمن، يخيّم على هذا الوطن الصغير المعذب الذي يواجه محنة قاسية عصفت به بشكل أو بآخر منذ العام 1968 حتى اليوم، ولمّا تزل تضربه في مقوّماته كلها، وتكاد تقضي عليه وهو المتجذر في التاريخ، وهو الذي ورد إسمه عشرات المرات في الكتاب المقدّس (العهد القديم) مشفوعاً بالجمال والصلابة في آن معاً. وهو الذي تغنّى به الفلاسفة والأدباء والشعراء على امتداد العصور.
أما اليوم فنحن أمام منعطف بالغ الخطورة، في المسيرة التاريخية للشعب اللبناني الذي استوطن هذه الأرض القاحلة، فتغلّب على الصعوبات، وقهر المستحيل، ورسّخ جذوره بين الصخور والسنديان، ليتغلّب على الصعاب، ويقيم لذاته فرادة كانت كفيلة بأن حولته مقراً آمناً لناشدي الحرية وسائر الهاربين من الظلم والقهر والعسف… وإذا بنا في زمن من التردد والردة والرداءة جعلتنا في قعر القعر. والمأساة ان كثيرين عندنا استسلموا الى هذا الواقع المؤلم، فتحولنا الى نموذج غريب بين الدول، وكأننا لسنا أبناء ذلك التاريخ المجيد. وحتى في تاريخنا الحديث كنّا أصحاب دور سلمي بين المجموعة العربية، وأصحاب رأي محترم بين الأمم، فصرنا نستجدي نصيحة من هنا، ومساعدة من هناك، وبتنا عقيمي فكر، فلم نعد نجد بيننا من يبتكر الآراء والأفكار الفذّة التي تتصدى للمشكلات وتواجهها وتتغلّب عليها.. وحتى إذا وجد بيننا من يفكر ويبتكر من دون مصلحة ذاتية، فلا يجد من يستمع اليه أو يأخذ برأيه…
ولعلنا، في المطلق، بتنا وقد تحوّلنا الى مجموعات متناحرة ليس فقط بين مجموعة وأخرى، بل أيضاً داخل كل مجموعة، فقدّسنا الشرذمة، وأقمنا أنصاباً للتفتت، واعتمدنا الأنانية والإثرة والذاتية الضيقة المريضة.
ولقد تدافعت في البال هذه الأفكار عشية عيد الفصح المجيد، عيد القيامة، وكأنها صلاة ودعاء نرفعهما الى إله الحياة وقاهر الموت عساه يشفع بنا فيحررنا من أمراضنا الوطنية الكثيرة التي إرتضيناها منقادين، في مشهد وطني مروّع من شأن إستمراره أن يقضي على البقية الباقية من عافية هذا الوطن، إذا كان لايزال هناك ثمة عافية.
وعسانا نأخذ من قيامة السيّد المسيح المجيدة من القبر، ما يبث فينا روحاً ناهضة تبني على الجذور الصحيحة صرحاً لوطن نعود فنفاخر به الأوطان كلها. ولدينا الكثير مما نفاخر به، لو يدرون!