IMLebanon

عندما تعكس الشاشة المشهدَين… و«المزاجَين المتنافرَين؟!»

مشهدان شغَلا الشاشة أمس الأوّل، زيارة قائد الجيش العماد جان قهوجي إلى عرسال، وتدفّق المعَزّين إلى الضاحيّة. الأوّل لرفعِ معنويات العسكر، والثاني لرفع معنويات المقاومة. الأوّل لتحصين الحدود، والثاني للحِرص على استقرار الحدود. فيما تتزامن الخطة الأمنيّة في البقاعين لتسدّ ما أمكنَ من ثغرات.

إحتاجت عمليّة ضبط الصورة، إلى مهارة حاذقة، وخبرة عالية قادَها السفير الأميركي دايفيد هيل، ومعه بعض السفراء الأوروبّيين، وكانت الرسالة واضحة: «ما يجري خارج الحدود شأن الخارج، وشأنكم كلبنانيين أن تضيفوا مدماكاً على حواراتكم الداخليّة».

وفجأةً يتغيّر المناخ، من قلقٍ حول الردّ وحجمِه، وانعكاساته الكارثيّة، إلى تدافعٍ من كلّ الأطياف والطوائف صوبَ الضاحية لحجزِ موقعٍ على شاشة «المقاومة»، والظهور ضمن إطار الصورة؟!.

ولم يقتصر الأمر على الحمائم، بل شملَ الصقور أيضاً، إتّصال الرئيس فؤاد السنيورة بقيادة حزب الله لتقديم واجب العزاء، يتعدّى «البروتوكول»، ليؤكّد على جدّية التوجّه نحو المزيد من التحاور والتشاور والانفتاح، فالعودة إلى مربّع النكايات ممنوعة، ولا بدّ من السير وفق الإيحاءات الخارجيّة، على الطريق الذي ترسمه الحاضنة الدوليّة؟!.

ليس في الأمر «حدب» خاص على لبنان، ولا من «دلع» يزيد من نوبات «الغرور والتفشيخ»، بل إنّ عمليّة ضبط الساحة تأتي كجزء مكمِّل لعمليّة أشمل، ولتوجّه أميركي جدّي وصارم يقضي بضبط الإيقاعات، ومعها الأحجام والأوزان، خصوصاً عند أولئك الذين يتوهّمون بأنّ أحجامهم قد تخَطّت كلّ أنواع المحاسبة والمساءلة. تختزن إدارة الرئيس باراك أوباما غضباً كبيراً ضدّ بعض تصرّفات، وممارسات رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو، ما قام به في القنيطرة يتجاوز الخطوط الحمر المرسومة،

لم يكن أمن إسرائيل في خطر، إنّما شعبيته، وكان الغرَض استنهاضها، إلّا أنّ غطرستَه فتحت عليه الكثير من الأبواب المغلقة، لم تكن رسالة الاعتذار التي وجّهها عَلناً إلى الإيرانيّين سوى انعكاس لبعض تردّدات الداخل، ففي حكومتِه ثمّة مَن يطالب بتحقيق شفّاف ينتهي الى تحديد الفوائد التي جنَتها إسرائيل من الغارة، مقابل الأضرار النفسيّة والمعنوية التي حصَدتها. لقد وفّرَت ما يكفي من ذرائع وتبريرات لكي يصبحَ الحرس الثوري الإيراني مستنفراً عند حدودها الشماليّة؟!.

ثمّة مَن يؤكّد بأنّ واشنطن لم تأخذ علماً مسبَقاً بالغارة؟!. هذا تبسيطٌ غير مقنع لأمور أكثر تعقيداً. لم يعُد «الصراع» ما بين أوباما ونتنياهو حول أولويات المصالح، بل حول آداب السلوك، يقود الإسرائيلي حالة تمرّد تتجاوز خصوصيّة العلاقة التاريخيّة، من معالمِها نظرة فوقيّة إلى الرئيس الأميركي، وإدارته، والتنسيق «من وراء ظهره مع المحافظين الجُدد» الذين عادوا بقوّة إلى الكونغرس إثر الانتخابات الأخيرة، والتجرّؤ على أولويات السياسة الأميركيّة في الشرق الأوسط، واعتماد أساليب الإحراج والاستفزاز لوضعِها أمام أمر واقع ترفضه، أو يتعارض مع ما تخطّط له؟!.

تنظر إدارة أوباما إلى الغارة على القنيطرة من هذا المنظار تحديداً، أراد نتنياهو أن ينسفَ المفاوضات النووية، أخذَ علماً بالإيجابيات التي تحَقّقت، ضاق ذرعاً من الأسلوب المرِن الذي يعتمده الرئيس الأميركي، إنتابَته نوبةُ غضَب عندما حذّرَ الأخير الكونغرس من التصويت على حزمةٍ جديدة من العقوبات ضدّ طهران.

بالمقابل، أراد أوباما أن يرضيَ غرور صديقه الإسرائيلي اللدود عندما طلبَ من مندوبه الدائم لدى مجلس الأمن، أن يستخدم حقّ النقض «الفيتو»، ويسقط مشروع القرار الذي تقدّمت به جامعة الدول العربيّة، والذي يقضي بتحديد موعد نهائي لانسحاب إسرائيل من الأراضي التي تحتلها إلى ما وراء حدود الـ67.

إلّا أنّ نتنياهو لم «يقدّر المعروف»، واعتبرَ بأنّ ما أقدمَ عليه أوباما، إنّما هو واجب؟!. تطولُ جردة الحساب، وتطول لائحة المآخذ والتباينات، إلّا أنّ مذبحة القنيطرة كانت بمثابة «النقطة التي أطفحَت الكيل»، فما بعدها، ليس كما قبلها، وما حصل خلال الساعات الـ72 الماضية كان غنيّاً بدلالاته،

وأوّلها الطلب الى ضبط النفس، وعدم الإقدام على أيّ خطوة متسرّعة، وعدم إعطاء نتنياهو أي فرصة، أو ذريعة يمكن أن يستثمرَها لتعزيز موقعه الانتخابي، ثمّ الاستمرار في تنفيذ سلّم الأولويات وفق المخطط المرسوم إنْ ما يتعلق بالمفاوضات النووية، أو ما يتعلق بالملفّات الحيويّة في كلّ من سوريا، والعراق. والانصراف إلى إيلاء الوضع اليمني الدقيق قدراً كافياً من الاهتمام، نظراً لتطوّراته الخطرة وانعكاساته المباشرة على أمن الخليج، واستقراره.

في المتناول الدبلوماسي، أنّ سلاح الصمت الذي يستخدمه حزب الله بالتنسيق والتعاون مع إيران، قد فعلَ فعله، وألَّبَ الشارع الإسرائيلي ضدّ حكومة نتنياهو، هناك حالة من الهَلع تجتاح المجتمع خوفاً من الرد، واحتمالاته، وحجمه، وتوقيته؟!.

إنّ الصمت هذا، مطلوبٌ استمرارُه في هذه المرحلة المفصليّة، ومطلوب الحوار والاستقرار، ومطلوب أن تعكس الشاشة مشهدَين معبّرَين: حجّاً «تعاطفياً» باتّجاه الضاحية، وحجّاً وطنياً باتّجاه جرود عرسال؟!.