IMLebanon

عندما يضطر الاشتراكيون لخوض الانتخابات البلدية

ينكر الاشتراكيون دوماً بأنهم كانوا يفضّلون عدم تجرّع كأس الانتخابات البلدية والاختيارية، بدليل قدرتهم على مواكبتها من دون أي اشكالات تذكر، وقرروا الاحتكام لصناديق الاقتراع بعد صياغة سلسلة عناوين اتكأوا اليها لمواجهة حمى الخلافات المحلية في الجبل.

طبعاً، أريدَ من تلك القواعد أن تكون عاملاً مسهلاً للاستحقاق وكي لا تنتهي مرحلة جبل لبنان بكثير من التشوهات في علاقة الحزب التقدمي الإشتراكي بمحيطه الشعبي، سواء الدرزي أو المسيحي أو السني. على العكس تماماً، كان المطلوب هو الخروج من الانتخابات بأقل الأضرار الممكنة، خصوصاً وأنّ المختارة تعرف جيداً الأكلاف التي يتكبدها الغوص في باطن الخلافات بين أبناء العائلة الواحدة والجبّ الواحد…

كلها خصوصيات لا تعير انتباهاً للانتماء الحزبي أو السياسي بفعل تغلّب العصب العائلي والمحلي الذي يفرض نفسه على خارطة التوازنات. وتتلخص هذه العناوين بالآتي:

ـ التوافق المحلي بحيث سعى الاشتراكيون في أكثر من موقع الى تعميم هذا المبدأ للتخلّص من نيران الخلافات كي لا تحرق أصابعهم، فكانت الأولوية بالنسبة لهم دفع خصوم البلدة الواحدة الى نسج تفاهم، اذا أمكن.

ـ الإلتزام بالأعراف المحلية لا سيما في ما يتصل بالمداورة مثلاً أو بطائفة مكونات البلدية ورئاسة مجلسها وتحديداً في القرى المختلطة، وهذا أمر كان بمثابة خط أحمر لا يجوز تجاوزه.

ـ اذا ما فرضت المعركة الانتخابية، فإنّ توجه القيادة هو لخوضها بمرونة بعيداً عن الحدية والصدامية تخفيفاً من التشنّج والتشققات الممكن أن تحدثها. وحتى من الأفضل عدم تسيسها كي لا تأخذ طابعاً انقسامياً من شأن ندوبه أن تبقى في جسد المكونات المحلية. وهذا ما يؤمل أن يحصل مثلاً في بيصور وكفرمتى اللتين ستخوضان معركتين يأمل الاشتراكيون أن تبقيا هادئتين بعدما ارتأى الحزب التقدمي عدم رفع راية أي من اللائحتين.

ـ التعاطي مع التفاهم الثنائي المسيحي أي بين «التيار الوطني الحر» و «القوات» على أنه غير موجّه ضدّ الآخرين لا سيما في القرى المختلطة درزياً مسيحياً، حيث يؤكد الاشتراكيون أنّ الفريقين المسيحيين يعاملان الاشتراكيين بالمثل بمعنى مدّ يد التعاون اذا أمكن على قاعدة التواصل والتنسيق لنسج تفاهمات محلية (حصلت مثلاً في فالوغا)، وقد وقعت الخصومة أيضاً بين العونيين والقوات في بلدات أخرى، ما يؤكد أنّ نية مواجهة القوى الأخرى ليست قائمة عند الثنائي، وقد تلقى الاشتراكيون الكثير من رسائل التطمين بهذا الشأن.

طبعاً، كان من السهل وضع هذه العناوين على الورقة والقلم قبل الانتقال الى الأرض لتطبيقها خصوصاً وأنّ الخصوصيات العائلية لها قدرتها على جرّ الناس الى المعارك حتى لو أرتأت الأحزاب عكس ذلك.

هكذا مثلاً، يقول الاشتراكيون حصل التعاون مع المير طلال ارسلان في عالية ولكن في الشويفات بدا الأمر صعباً، بحيث سيدعم الحزب التقدمي لائحة المجتمع المدني بالتفاهم مع العائلات بوجه اللائحة الارسلانية، مع الإصرار دوماً على عدم تسييس المعركة حتى لو كانت بين خيارين مختلفين، لأن من مصلحة الجميع التخفيف من حدتها. كذلك الأمر قد يحصل في حاصبيا التي قد تشهد منافسة جنبلاطية ـ ارسلانية مع أنّ فرص التسوية والمعركة لا تزال متساوية.

هكذا أيضاً حاول الاشتراكيون كما يؤكدون التوصل الى تفاهمات مع «تيار المستقبل» و «الجماعة الاسلامية» في اقليم الخروب الذي له خصوصيته المناطقية والسياسية، وفقاً للقواعد السابق ذكرها. وبالفعل حصل الاتفاق مع «الجماعة» في برجا لكنه لم يصمد أكثر من ساعات بحجة ضغط القاعدة، ما دفع وليد جنبلاط الى التغريد عبر تويتر مؤكداً أن «مصلحة الحزب في ان لا نتدخل في تطور بلدية برجا»، وهذا ما يشدد عليه الاشتراكيون نأياً بأنفسهم عن مجريات المعركة.

ولكن بين سطور هذه التطورات، هناك من يعتقد أن ما يحصل في الإقليم ليس استسلاماً لمشيئة الجمهور كما يحاول البعض تصويره، وانما رغبة في خوض معركة نفوذ وأحجام، وتحديداً من جانب «تيار المستقبل» الذي يريد أن يثبت قدرته على الإمساك بالمنطقة، مع أنّ الإنكشاف الذي بيّنته معركة بيروت تفترض عليه أن «يضبضب» معركة الإقليم وأن لا يستعيد حسابات العام 2010 يوم قال أحمد الحريري إنّ «المستقبل» اجتاح الإقليم وليظهر عكس ذلك مع انتخابات الاتحاد… وكأنه اليوم يحاول الانتقام لذلك الانقلاب.