اذا اردنا ان نقلّد حاتم طي في كرمه، لاعتبرنا ان 28 نائباً فقط من أصل 128، تليق بهم النيابة، ويفخر بهم ناخبوهم.
واذا اعتمدنا المعيار ذاته في تقويم اداء وزراء هذه الحكومة، لما زاد عدد الذين يبقون فوق الغربال، عن خمسة وزراء اثبتوا بالممارسة انهم أهل لهذا المنصب بجميع المعايير، وكذلك فان من سوء حظ لبنان واللبنانيين ان يجمع مجلسا النواب والوزراء هذا العدد الكبير من النواب والوزراء في مرحلة دقيقة وخطرة من حياة لبنان الوطن والشعب اللبناني، حيث كان يفترض ان يكون نوابه ووزراؤه وسياسيّوه على قدر كبير من الوطنية والمسؤولية والشجاعة والتضحية، التي هي وقف على نخب قليلة، تحاول ان تعمل المستحيل لتبقى السيادة قائمة ولو في حدّها الأدنى، والاستقلال محترم ولو بالشكل، والدولة قائمة ولو على عكازات، ومع كل يوم يمرّ على لبنان، منذ حوالى العقد من السنين، يدرك اللبناني ان طريق السقوط أسرع من طريق النهوض، وان الأمل بالشفاء من الامراض الخبيثة التي تفتك بالوطن، تشبه أمل ابليس بالجنّة، الى درجة ان الشعب اللبناني، الاّ قلّة منه، ادمن على الاستسلام الى الامر الواقع، ولم تعد تهزّه الممارسات المشينة التي تمرّ امام عينيه، فلا يتحرّك انتفاضاً لكرامته المهدورة باستباحة سيادة وطنه ودولته، واغتصاب استقلاله بفجور ما بعده فجور، وآخر حفلة استباحة واغتصاب وفجور، كانت منذ يومين، عندما كانت قوافل المسلّحين والمدنيين من غير اللبنانيين، تجتاح حدودنا وطرقاتنا ومطارنا الدولي، وتجتاح معها سيادتنا وكرامتنا ودولتنا التي كانت أشبه بالشاهد الذي «ما شافش حاجة». ولكنها والحق يقال كانت «حريصة» على تسهيل السير والمرور والعبور والطيران، حتى ان بعض الوزراء والمسؤولين تبرّعوا بالاشادة باللحظة التاريخية التي حصلت، وعرف بها كل العالم باستثناء المسؤولين اللبنانيين، الذين على ما يبدو قاموا بدور الزوج المخدوع على أكمل وجه، لأنهم سبق لهم وتمرّسوا عليه منذ زمن طويل.
* * * *
في ظلّ هكذا اوضاع وحالات، تهان بها الدولة والحكومة والمؤسسات على أبشع صورة، هناك من يسأل، لماذا بقاء هذه الحكومة، التي لا تفعل شيئاً، واذا فعلت يكون قد مرّ الزمن وأصبح غير صالح او غير مكتمل المواصفات، وعندما يستدعي الأمر موقفاً قريباً من الشعور بالسيادة «تلفّ» ذيلها وتختبئ وراء تبريرات أبشع من ذنب، كما ان مجلس النواب العاطل عن العمل مثله مثل مجلس الوزراء، لماذا يترك «دبلة» على صدور اللبنانيين ويسرق اجور نوابه من تعبهم وعرقهم وفقرهم، طالما انه عاقر، ولا تنفع فيه عقاقير التخصيب.
انا في هذا المقال، ادعو الى تحويل لبنان الى دولة جماهيرية، حيث يفرض الناس تطبيق دستور الطائف، وفرض اللامركزية الادارية والسياسية الموسّعة، وعدم انتظار مجلس النواب المعوّق عن القيام بأي عمل منتج، لأنه لا ينتج من العوسج تين، على الاقل يصبح اللبناني سيّد نفسه، بدلاً من ان يرى سيادته تنتهك وتغتصب على مدار الساعة، والخطوة الاولى باتجاه استرجاع الكرامة يجبن المسؤولين، تكون باستقالة النواب والوزراء المتمسّكين بكرامتهم وسيادتهم على قاعدة ان الحياة وقفة عزّ فحسب.